فصل البحث حول موضوع العلم وبعد، اعلم: أن من مسلمات أهل الفنون من الحكماء وأصحاب الميزان، أمرين:
أولهما: أن موضوعات العلوم هي التي يبحث في تلك العلوم عن عوارضها الذاتية (1) (1).
١ - الإشارات والتنبيهات ١: ٢٩٨ - ٢٩٩، البصائر النصيرية: ٥ - ٦، شرح الشمسية: ١٤ / السطر ١٣ - ١٤، الحكمة المتعالية ١: ٣٠، الشواهد الربوبية: ١٩.
١ - اعلم: أن القضايا المركبة منها العلوم، مختلفة: فمن العلوم ما يكون جميع قضاياه أو غالبها، قضايا حقيقية أو بحكمها، كالعقليات والفقه واصوله، ومنها ما تكون جزئية حقيقية، كالتأريخ والجغرافيا وغالب مسائل الهيئة وعلم العرفان.
ونسبة موضوع المسائل إلى ما قيل: إنه موضوع العلم، قد تكون كنسبة الطبيعي إلى أفراده، وقد تكون كنسبة الكل إلى أجزائه، بل قد يكون موضوع جميع المسائل هو موضوع العلم، فمن الأول الأمثلة الاول، ومن الثاني الثانية غالبا، ما عدا العرفان، ومن الثالث العرفان؛ فإن موضوعه هو الله تعالى، وهو عين موضوع مسائله.
فاتضح مما ذكر: أن ما اشتهر - من أن موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية - مما لا أصل له، سواء فسرناها بما فسرها القدماء، أو بأنها ما لا تكون لها واسطة في العروض؛ ضرورة أن عوارض موضوعات المسائل - التي تكون نسبتها إلى موضوع العلم كنسبة الأجزاء إلى الكل، لا الجزئيات إلى الكلي - لا تكون من عوارضه الذاتية بالتفسيرين إلا بتكلف. (مناهج الوصول ١: ٣٨ - ٣٩).
ضرورة أن عارض الجزء وخاصته، عارض لنفس الجزء الذي هو قسمة من الكل، ومتشعب عنه، لا لنفس الكل الذي تركب منه ومن غيره، اللهم إذا تشبث القائل بالمجاز في الإسناد. (تهذيب الاصول ١: ٢).
وأما فيما كانت النسبة بينهما كنسبة الكلي إلى أفراده، كالفقه والفلسفة فنقول:
فأي داع للالتزام بكون موضوع علم الفقه هو فعل المكلف، وأن موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية، مع أن الأحكام ليست من العوارض؟!
ومع التسليم وتعميم الأعراض للاعتباريات، ليست كلها من الأعراض الذاتية لموضوعات المسائل؛ فإن وجوبالصلاة لا يمكن أن يكون من الأعراض الذاتية لها بوجودها الخارجي؛ لكون الخارج ظرف السقوط لا الثبوت، ولا بوجودها الذهني، وهو واضح، ولا للماهية من حيث هي؛ ضرورة عدم كونها مطلوبة، فمعنى وجوبها أن الآمر نظر إلى الماهية وبعث المكلف نحو إيجادها، وبهذا الاعتبار يقال: إنها واجبة، لا بمعنى اتصافها بالوجوب في وعاء من الأوعية، ووعاء الاعتبار ليس خارجا عن الخارج والذهن.
هذا، مع لزوم الاستطراد في كثير من مهمات مسائل الفقه، كأبواب الضمان، وأبواب المطهرات والنجاسات، وأبواب الإرث، وغير ذلك.
أو أي داع لجعل موضوع الفلسفة هو الوجود، ثم التكلف بإرجاع المسائل فيها إلى البحث عن أعراضه الذاتية له، بما تكلف به بعض أعاظم فن الفلسفة، ثم الالتزام باستطراد كثير من المباحث، كمباحث الماهية والأعدام، بل مباحث المعاد وأحوال الجنة والنار وغيرها، أو التكلف الشديد البارد بإدخالها فيها.
هذا، مع أن كثيرا من العلوم، مشتمل على قضايا سلبية بالسلب التحصيلي.
والتحقيق في السوالب المحصلة: أن مفادها هو قطع النسبة وسلب الربط، لا إثبات النسبة السلبية، كما أوضحناه بما لا مزيد عليه في مباحث الاستصحاب. (مناهج الوصول 1: 41 - 42).