وفيه: أنا لا نسلم خروج الشارع عن دأب العقلاء في إلقاء كلامه، وإلا فيشكل الأمر في باب أصالة الحقيقة والعموم أيضا (126).
الأمر الثاني: إشكال ودفع قد يستشكل على القول المنسوب إلى المشهور: بأن الشياع المأخوذ في
126 - إن الشارع لم يسلك في مخاطباته غير ما سلك العقلاء، بل جرى في قوانينه على ما جرت به عادة العقلاء وسيرتهم، لكن ديدنهم في المخاطبات العادية والمحاورات الشخصية بين الموالي والعبيد وغيرهم عدم فصل المخصصات والمقيدات والقرائن، ولهذا تكون العمومات والمطلقات الصادرة منهم في محيط المحاورات حجة بلا احتياج إلى الفحص، ولا يعتني العقلاء باحتمال المخصص والمقيد المنفصلين، ويعملون بالعمومات والإطلاقات بلا انتظار. هذا حال المحاورات الشخصية.
وأما حال وضع القوانين وتشريع الشرائع لدى جميع العقلاء، فغير حال المحاورات الشخصية، فترى أن ديدنهم في وضع القوانين ذكر العمومات والمطلقات في فصل ومادة، وذكر مخصصاتها ومقيداتها وحدودها تدريجا ونجوما في فصول اخر.
والشارع الصادع جرى في ذلك على ما جرت به طريقة كافة العقلاء، فترى أن القوانين الكلية في الكتاب والسنة منفصلة عن مخصصاتها ومقيداتها، فالأحكام والقوانين نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نجوما في سنين متمادية، وبلغها حسب المتعارف في تبليغ القوانين للامة، وجمع علماؤها بتعليم أهل بيت الوحي القوانين في اصولهم وكتبهم.
فإذن تكون أحكامه - تعالى - قوانين مدونة في الكتاب والسنة والعمومات والمطلقات التي فيها في معرض التخصيص والتقييد، حسب ديدن العقلاء في وضع القوانين السياسية والمدنية، وما هذا حاله ليس بناء العقلاء على التمسك فيه بالاصول بمجرد العثور على العمومات والمطلقات من غير فحص؛ لأن كونهما في معرض المعارضات يمنعهم عن إجراء أصالة التطابق بين الاستعمال والجد، ولا يكون العام حجة إلا بعد جريان هذا الأصل العقلائي، وإلا فبمجرد ظهور الكلام وإجراء أصالة الحقيقة والظهور لا تتم الحجية، فأصالة التطابق من متمماتها لدى العقلاء. (مناهج الوصول 2: 275 - 276).