الموضع الثالث في أن الإتيان بالمأمور به الظاهري هل يقتضي الإجزاء أم لا؟
وقبل الخوض في المقصود، لابد من تنقيح محل البحث؛ حتى لا يختلط الأمر.
فنقول: محل الكلام في المقام أيضا حسبما حررنا في الأوامر الاضطرارية فيما إذا تعلق أمر بطبيعة، ويكون لها مصداق واقعي جامع لكافة الشرائط والأجزاء، وفاقد لجميع الموانع، ودلت أدلة الأحكام الظاهرية - أصلا كانت أو أمارة - على عدم كون شيء جزء أو شرطا أو مانعا في حال الجهل بالواقع، فهل الإتيان بمصداق الطبيعة - حسب اقتضاء الأدلة الظاهرية - يجزي عن المأمور به أم لا؟
وأما إذا دل دليل على وجوب شيء، فأتى به المكلف، ثم تبين عدم وجوبه، وإنما الواجب شيء آخر، فهو خارج عن محط البحث، كما لو دل الدليل على وجوب صلاة الجمعة في يومها، فصلى المكلف صلاة الجمعة، ثم تبين وجوب الظهر، فإن هذا خارج عن بحث الإجزاء؛ لأنه لا معنى لكون الإتيان بمتعلق أمر، مجزيا عن أمر آخر متعلق بموضع آخر.
وكذلك إذا دل دليل على عدم وجوب شيء، فلم يأت به المكلف في وقته، ثم تبين وجوبه، فهو أيضا خارج عن بحث الإجزاء، وهو ظاهر.
فتحصل من ذلك: أن محط البحث أن الإتيان بالمصداق الظاهري للمأمور به، هل يكون مجزيا عن الأمر المتعلق بالطبيعة أم لا؟