تفصيل صاحب الفصول (رحمه الله) ثم إنه يظهر من صاحب " الفصول " (رحمه الله) التفصيل؛ وهو أن العبد مستحق للعقوبة على فعله المتجري به، إلا أن يعتقد تحريم واجب غير مشروط بقصد القربة، فإنه لا يبعد عدم استحقاق العقاب عليه مطلقا أو في بعض الموارد؛ نظرا إلى معارضة الجهة الواقعية للجهة الظاهرية؛ فإن قبح التجري ليس ذاتيا، بل يختلف بالوجوه والاعتبار، فمن اشتبه عليه مؤمن ورع عالم بكافر واجب القتل، وتجرى ولم يقتله، فإنه لا يستحق الذم على هذا الفعل عقلا عند من انكشف له الواقع... (1) إلى آخره.
أقول: تحقيق المقام يتم بذكر امور:
الأول: أن معنى مزاحمة الجهات المحسنة والمقبحة في الأفعال، ليس هو انمحاء جهات الحسن في صورة غلبة جهات القبح عليها، أو بالعكس، بل تكون الجهات بحالها بحسب الواقع، لكن حسن الفعل أو قبحه تابع للجهة الغالبة، فالخمر التي فيها نفع وصلاح، لكن فسادها وضرها أكثر منهما، وإثمها أكبر من نفعها، ويكون حكمها تابعا للجهة الغالبة، لا ينمحي صلاحها الجزئي ونفعها السير، بل يكون باقيا مغلوبا عند تزاحم المقتضيين.
الثاني: أن التحقيق في كون الحسن والقبح ذاتيين أو بالوجوه والاعتبار، أن بعض العناوين المتصورة، تكون بحسب ذاتها حسنة أو قبيحة عقلا، فيحكم العقل بحسنها أو قبحها الذاتيين، إذا وجدت في الخارج بذاتها مع قطع النظر عن الطوارئ والعوارض الخارجية الملحقة بها في الخارج، كالصدق والكذب من