جامعة لشتاتها، وحافظة لمتفرقاتها، وتلك الخصوصية ثابتة في حد ذاتها مع قطع النظر عن الأغراض؛ فإن الأغراض جهات طارئة خارجة عن ذوات المسائل، ولا تكاد تكون مميزة للعلوم؛ لأن المميز لابد وأن يكون من الخصوصيات الثابتة لذوات المسائل؛ إذ الغرض الأول من الفلسفة وإن كان العلم بموجودية الأشياء، والعلم هو التصديق، إلا أن العلم كيف يمكن أن يكون الجهة المميزة للفلسفة عن غيرها من العلوم؛ بحيث يكون جامعا لمسائلها، ومانعا عن غيرها؟! فإن العلوم كلها مما يتعلق هذا الغرض بها، وتكون مسائل جميع الفنون واجدة لتلك الخصوصية من حيث تعلق الغرض بها.
نعم، الأغراض إنما تكون متفرعة على تلك الخصوصيات الذاتية الثابتة لجميع المسائل في المرتبة الثانية، وهذا مما لا ينكر البتة؛ فإن الغرض من تدوين النحو مثلا؛ هو العلم بكيفية أواخر الكلمة، ومن المعلوم أن هذا الغرض لا يتعلق إلا بعد ما كانت لمسائل النحو خصوصية ذاتية؛ هي كيفية أواخر الكلمة. هذا كله إذا كان المراد من " الغرض " الأولي.
وأما إذا كان المراد الأغراض الثانوية، كتحصيل نفع أو مصلحة من المسائل الشخصية أو النوعية، مثل التقرب إلى الله تعالى، أو غير ذلك، فهي مما تختلف باختلاف الأشخاص، فكيف يحصل بها مميز كلي في العلوم؟!
فانقدح بذلك: أن موضوع العلم هو الحيثية المشتركة الجامعة التي تشترك فيها المسائل بأجمعها، وعين هذه الحيثية هي الجهة المميزة بين العلوم.
هذا بالنسبة إلى موضوعات العلوم.
حول تمايز المسائل وأما امتياز نفس المسائل بعضها عن بعض، فهو أيضا بنفس ذوات المسائل؛