الإتمام والقصر في الحضر والسفر كان معروفا بين المسلمين، فليست الشرطيتان لإفادة أصل حكم القصر، بل لإفادة تحديد حد السفر، ومعلوم أن ما قبل الحد يكون باقيا على الحكم الأول - وهو التمام - فتدل القضيتان على انتفاء حكم القصر عند فقدان الحد فيكون لهما مفهوم.
ويتلوه في الضعف الاحتمال الثاني؛ لأن المفهوم لازم المنطوق وتابع له، وليس له استقلال بالإنشاء؛ حتى يرد عليه التخصيص، وتختلف الإرادة الاستعمالية مع الجدية - كما في باب التخصيص - فإذا كان الشرط علة منحصرة للجزاء، ويفهم منها المفهوم، فلا معنى لتقييده وتخصيصه.
وأما الاحتمالان الآخران، فلا يبعد أظهرية أولهما؛ أي كون الشرط هو أمرا آخر يكون كل منهما أمارة عليه؛ بأن يقال: إن الميزان في القصر مقدار من البعد؛ بحيث إذا أراد المسافر تشخيصه بحس بصره خفيت الجدران عنه، وإذا أراد تشخيصه بحس سمعه خفي أعلى صوت البلد عنه؛ أي أذان المؤذنين.
الأمر الثالث: تعدد الشرط واتحاد الجزاء [تداخل الأسباب والمسببات] إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء، فهل يتعدد الجزاء؛ أي يجب الإتيان به متعددا حسب تعدد الشرط (1)، أو يتداخل، ويكتفي بإتيانه دفعة واحدة (2)؟
ولا يخفى: أنه ليست هذه المسألة من المسائل التي تكون الشهرة فيها حجة؛ حتى نبحث عن تحققها وعدمه؛ للعلم بعدم كاشفيتها عن النص، فليس في البين إلا ظهور القضية.
ثم إن الكلام يقع في مقامين: