قوله [تعالى]: (بلى) رد الله عز وجل عليهم قولهم: (ليس علينا في الأميين سبيل) بقوله:
(بلى) قال الزجاج: وهو عندي وقف التمام، ثم استأنف، فقال: (من أوفى بعهده) ويجوز أن يكون استأنف جملة الكلام بقوله: (بلى من أوفى). والعهد: ما عاهدهم الله [عز وجل] عليه في التوراة. وفي " هاء " (عهده) قولان:
أحدهما: أنها ترجع إلى الله تعالى.
والثاني: إلى الموفي.
إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم (77) قوله [تعالى]: (إن الذين يشترون بعهد الله وإيمانهم ثمنا قليلا) في سبب نزولها ثلاثة أقوال:
أحدها: أن الأشعث بن قيس خاصم بعض اليهود في أرض، فجحده اليهودي فقدمه إلى النبي [صلى الله عليه وسلم]، فقال: " ألك بينة "؟ قال: لا. قال لليهودي: " أتحلف "؟ فقال الأشعث: إذا يحلف فيذهب بمالي. فنزلت هذه الآية. أخرجه البخاري ومسلم.
والثاني: أنها نزلت في اليهود، عهد الله إليهم في التوراة تبيين صفة النبي عليه السلام، فجحدوا، وخالفوا لما كانوا ينالون من سفلتهم من الدنيا، هذا قول عكرمة، ومقاتل.
والثالث: أن رجلا أقام سلعته في السوق أول النهار، فلما كان آخره، جاء رجل، يساومه، فحلف: لقد منعها أول النهار من كذا، ولولا المساء لما باعها به، فنزلت هذه الآية، هذا قول الشعبي، ومجاهد. فعلى القول الأول، والثالث، العهد: لزوم الطاعة، وترك المعصية، وعلى الثاني: ما عهده إلى اليهود في التوراة. واليمين: الحلف. وإن قلنا: إنها في اليهود، والكفار، فإن الله لا يكلمهم يوم القيامة أصلا. وإن قلنا: إنها في العصاة، فقد روي عن ابن عباس أنه قال: لا يكلمهم الله كلام خير. ومعنى (ولا ينظر إليهم)، أي: لا يعطف عليهم بخير مقتا لهم، قال الزجاج: تقول: فلان لا ينظر إلى فلان، ولا يكلمه معناه: أنه غضبان عليه.