اغتر بظاهر القضية، وأن حذف خبر " لما " وجزائها خلاف الأصل، ومن جعلها جملة مستقلة اغتر من ناحية رجوع ضمير الجمع إلى المنافقين، دون الموصول المفرد.
والقول الفصل والرأي الجزل ما أشير إليه، وأن الآية الشريفة ربما تكون في مقام توجيه الأنظار ولفت الأفكار إلى الجهة الثالثة، الجامعة بين المحسوس والمعقول، وبين اللب والقشر، وبين المشبه والمشبه به، فراعت (1) أطراف القصة بإتيان المشتركات، فإن ذهاب الله بنورهم يمكن أن يقصد به النور والضوء الحسي، بل والنار، لأن " النور " جمع " النار "، كما مضى، فاختير لفظة النور أيضا لما فيه من الإيهام بالشركة من جهتين: النورانية الحسية والضياء، والنور العقلي والإنارة المعنوية والهداية الإلهية.
وهكذا جملة * (وتركهم في ظلمات) *، فإنه إذا ذهب الله بنورهم الحسي فلا يبقى للمستوقد ضياء، فيترك في الظلمات، وإذا ذهب الله بنورهم المعنوي وهدايتهم الفطرية، فيتركون في ظلمات الجهل والضلالة.
وهكذا جملة * (لا يبصرون) *، فإنها أيضا أعم من العمى القلبي وعدم الرؤية لأجل الظلمات وفقدان الضوء والنور.
ولعمري إن هذه الآية من هذه الجهة تقع في منزلة من البلاغة، لا يصل إليها أفهام الخواص، ولا عقول خاص الخاص، وقلما يلاحظ في الأمثال ويراعى في التشبيهات، حال الحقيقة والمجاز وجانب الواقعية