فيه إلى الحالات النفسانية والملكات القلبية. وبالجملة: أريد بالمستوقد الإنسان الذي يشعل النار في محيط وجوده، وحول دائرة ملكوته الجزئية، وجعل نفسه منارا لنار التوحيد والتجريد، من غير أن يدخل في قلوبهم ويؤثر في نفوسهم، ومن غير أن يستفيدوا منها ويستضيئوا بنورها، وذلك ككثير من القشريين المتكئين على الظواهر اللغوية، أو اللبيين والباطنيين الطارحين الشواغل الصورية، فإن كل هؤلاء غير واصلين إلى مخ الحقيقة ولب الإيمان والطريقة، فإن الجاهل إما مفرط أو مفرط، فتكون النار والإيقاد والحول والإضاءة، كلها استعارات عن المعاني الكلية والحقائق الروحية.
ويحتمل قريبا أن يكون في الإفراد إشعار بأن المنافقين كانوا على طائفتين، بمعنى أن منهم من كان يتماس مع رئيس الإسلام والرسول الأعظم الإلهي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو المؤمنين، فيظهرون ويقولون ما ليس في قلوبهم، ومنهم من كان من شياطينهم، وإذا خلوا إليهم يقولون: * (إنا معكم إنما نحن مستهزئون) *، وكان نفاقهم وإقرارهم ذا جانبين، لأنهم كما يعترفون حسب الظاهر بإسلامهم نفاقا، كذلك كانوا يعترفون بنفاق شياطينهم ويقرون لهم بأنهم أيضا أسلموا واعترفوا وآمنوا فأوقدت هذه الطائفة نارا واستحفظوا في بدو الأمر تلك النار أنفسهم وأنفس شياطينهم، ف * (ذهب الله بنورهم) *، وتبين للمسلمين نفاقهم، فوقعوا في ظلمات لا يبصرون، ولأجل إفادة هذه الطريقة، شبهوا بالقافلة والكتلة التي يتكفل واحد منهم إيقاد النار لهم حتى يستضئ الآخرون به، وينتفعون بتلك النيران، كما هو المتعارف في الجماعة الخارجين والمسافرين.