ومن هنا يتبين وجه الخلاف الآخر المترائي في كلماتهم: من أن النظر في هذه التمثيلة إلى المنافقين، الذين خادعوا الله وخادعهم، وأفسدوا في الأرض فسادا، أو إلى المنافقين الذين خلوا إلى شياطينهم.
فقيل - وهو قول الأكثر - بالأول، وقيل بالثاني.
والحق ما عرفت من: أن موضوع هذه الآيات مطلق المنافق المتلون بالألوان المختلفة، والمتظاهر بالأقسام المتنوعة من المفاسد النظامية والاجتماعية، ومن الأباطيل الروحية والمعنوية، وليس النظر في هذا المثل - ولا المثل الآتي - إلى طائفة خاصة منهم في حال خاص. نعم في هذا المثل - بناء على ما عرفت وتبين - إفادة أحوالهم السيئة وأوصافهم الوقيحة في الاجتماعات البشرية، وفي اجتماع بعضهم مع بعض. والله هو الهادي.
وأيضا يظهر: أنه لا يخص المثل بالذين * (اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم) * فإن في ذلك أيضا تشبيها واستعارة، ولا يستحسن أن يكون النظر إلى المعنى المدعى عليهم، بل في جميع الأحيان يكون نظر المتكلم إلى الواقعية التي ابتلي بها المنافقون، وإلى الصفات التي اتصف بها هؤلاء الملحدون.
نعم ما هو اللطف غايته والحسن نهايته: أن تطبيق هذه المفاهيم على هذه الطائفة قبل التمثيل، يوجب حسن المثل، ويقرب ترغيب المستمع، وإذا ضرب الله هذا المثل يجد الناس في بدو الأمر وابتداء السماع قالبية المثل للممثل له، فيقع في نفوس المستمعين نهاية الانزجار عن النفاق، وأقصى التنفر عن الكذب والافتراء والإلحاد، فيميلون إلى