وربما يقال: إن في القطر الخاص تحصل وردة لا تحاذيها سائر الوردات، وذلك لأن في تلك القطعة من الأرض كمالات كسائر القطعات، ولكن في سائر القطعات انتشرت الصفة الكاملة في أفرادها، فأصبحوا متقاربين، وفي ذلك القطر استجمعت في شخص خاص، فتكون وردة البر أعطر من ورد الجنة والحدائق المعدة لها.
وبعض الأقطار من قطر إيران مشهور بقلة القوة الفكرية، وقد استثني منه فرد وهو من المحققين الأعلام، ولولا خوف الهتك والتوهين لأشرنا باسمه الشريف. وبالجملة: ربما تستجمع قوى سائر الأفراد في فرد.
ومن هنا يتوجه القارئ إلى الشبهة في المسألة، فإن محيط الحجاز كان محيط البربرية والاستعباد ومهبط الخشونة والخيانة وغير ذلك، فأصبح فيه إنسان أمين يخدم البشرية والإنسانية، فيكون من المستثنيات التي لها مشابه في الجملة، فلا معجزة ولا تعجيز، والنوادر التأريخية غير عزيزة، فليكن هو منهم، فلا دلالة على وجود الغيب، ولا على تصرفه في شبه جزيرة العرب بتنزيل الكتاب السماوي، بل كل هذه الأمور مستندة إلى العلل الطبيعية والشرائط المادية، وإلى الاختلاف في تلك العلل والشرائط.
وأما الجواب عن أمثال هذه الشبهات بالإجمال:
فإن تعجيز القرآن - كما عرفت - ليس بمعنى الامتناع الذاتي أو الغيري على الآخرين، لعدم انسداد باب ذلك على كل موجود مصاحب للمادة والقوة. وقد عرفت بما لا مزيد عليه أن البعثة كما لا تكون بحسب الوجود إلا كبعثة الحكماء والأطباء والمخترعين، كذلك لا تكون إلا مثلها بحسب