الاحتمال والإمكان، وعندئذ لا يمكن الاعتقاد بأنه كتاب لا يتمكن البشر أن يأتي بمثله. نعم إلى زماننا هذا ما تمكن البشر من ذلك، ولكن إمكان تمكنه غير مسدود جدا.
وقد اتفق كثيرا أن مثل شاعر لم يأت في برهة من الزمان، ثم اتفق ذلك فامسخ شعره بأمثاله كثيرا. وقد اشتهر بين أبناء العصر: أن أمثال النابغة وامرئ القيس وسعدي وحافظ وفردوسي و " مثنوي " لم توجد بعد، ولكن لا يمكن الحكم بامتناع ذلك في العصر الآتي، فعندئذ لا يجوز تعليق العقيدة على مثله، ولا يجوز اتباعه بمجرد عجز أهل مصر في عصر، كما لا يخفى.
وبالجملة: هذا القرآن حسب نظر المسلمين معجزة خالدة، والحكم بالخلود لا يمكن إلا بعد مضي الأزمنة بتمامها، وإذا امتنع الحكم عليه بالخلود امتنع الحكم عليه بأنه معجزة من الأول، لأن التحدي ليس مخصوصا بزمان دون زمان، فالعجز عن الإتيان بمثله في العصر الأول لا يوجب كونه معجزة من الأول، كما لا يخفى.
الشبهة الثالثة: إن في الطبائع العالية من طبيعة الإنسان إلى طبائع النباتات والجمادات، مواضع استثنائية وموارد خاصة، مثلا في طبيعة البشر صفة الشجاعة، وقلما يوجد هذه الصفة على وجه الكمال إلا في النوادر، ويسمون بنوادر التأريخ، فشجعان الفرس والعجم معدودون، وهكذا سائر الأوصاف والإدراكات والاستعدادات، فربما يوجد في العالم امرأة تلد عشرا فهي نادرة عصرها وزمانها من هذه الجهة، وهكذا الأمر في سائر المزايا والخصوصيات المادية والمعنوية، بل ربما توجد في زوايا الحركات العالمية بعض الاستثنائيات الموجبة لتحير العلماء المتفنن.