ومن ذلك قوله تعالى: * (ولن تفعلوا) *، كما لا يخفى.
ومنه قضية سورة الروم، فإن فيها خبرين عن الغيب ظهر صدقهما بعد بضع سنين.
ومنه ما في سورة الفتح من القضايا الثلاث. وفي سورة البراءة بعض منها.
ومن القضايا العجيبة قضية نزول السجيل على جنود أصحاب الفيل، فإنها كانت في عام الفيل حسب التواريخ، وبلا شبهة كان جماعة من المشركين المعاندين مدركين لها حسب أعمارهم، لقرب عهدها بعهد نزول هذه السورة، ومع ذلك لم يظهر في التأريخ تكذيب أحد من المشركين والمعاندين، ولم يسجل في التأريخ ضجيج المخالفين المنادين بإنكارها، فمنه يعلم أن أمثال هذه القضايا تستند إلى الغيب، وإلى المبادئ الخارجة عن الطبيعة الداخلة فيها والعاملة عملها والمتلونة بلونها، حتى يظن الجاهل أنه لا شئ ورائها، ويفهم الألمعي ويدرك وجودها في خباياها وزواياها.
بعد ملاحظة هذه الخصائص في هذه المجموعة، عليك أن تلفت نظرك إلى تأريخ النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإلى جغرافيا شبه جزيرة العرب وإلى الموانع الكثيرة عن تقدمه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإلى فقد الشرائط الكلية لتقدمه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإلى قصر طول أمره (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي ثلاثة وعشرون عاما، وإلى حالاته الخاصة، وإلى كونه أميا لا يدري الكتاب ولا الإيمان، وإلى صدق لهجته وصدق مقالته، وإلى أمانته وإلى سلامة نفسه، وإلى رياضاته الشخصية وعبادته الدائمة في غار حراء، وإلى مئات