كون هيئة الماضي ذات وضعين: وضع إفرادي، ووضع تركيبي، وهذا باطل بالضرورة ولذلك ذهب جمع من الأصوليين إلى خلو الأفعال عن الدلالة على الأزمان، وأن الزمان يستفاد من القرائن بعد الاستعمال.
والحق أن دلالة الفعل الماضي على المضي قوية جدا، بخلاف المضارع على الاستقبال. وتفصيله مضى في هذا الكتاب وفي تحريراتنا الأصولية (1)، وأن " إن " الشرطية وسائر أخواتها لا توجب الانقلاب، بل هيئة الماضي تدل على المضي، ولا يكون دالا على بقاء الحدث أو زواله، وغاية ما يدل عليه هو حصول الحدث في العصر السابق، فإذا قيل:
" ضرب زيد " تدل الهيئة على وقوع الضرب في الماضي، وأما زواله فهو أمر يستفاد من جهة خارجية، كذلك إذا قيل: " علم زيد " إلا أنه يستفاد البقاء لمادة العلم من جهة خارجية مخصوصة بذات المادة.
فعليه إذا دخلت أدوات الشرط على الماضي، فلأجل القضية الشرطية يستفاد الماضي الاستمراري، أي أن الحدث السابق باق إلى زمان الخطاب والكلام، فما وقع فيه النحاة وأهل الأدب، بل والأصوليون، كله ضعيف عندنا. وللمسألة مقام آخر وشواهد اخر تطلب من محاله.
ثم إن هيئة مادة الكون متحد الوضع مع سائر المواد، وليست مادة الكون دالة على الماضي حتى تكون متوغلة فيه، ولو استدل بهذه الكريمة على مدعاه فقد عرفت ما فيه، فإن الخطاب عام يشمل عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسائر الأعصار. والله الهادي إلى الصواب.