الصبر عليه هو المأمور به، ليكون الله تعالى هو المتولي للانتصاف، عن الحسن، ومجاهد، واختاره الجبائي. وقيل: إن معنى الآية: (لئن بسطت إلي يدك) على سبيل الظلم والابتداء لتقتلني، ما أنا بباسط يدي إليك على وجه الظلم والابتداء، عن ابن عباس، وجماعة، قالوا: إنه قتله غيلة، بأن ألقى عليه، وهو نائم، صخرة، شدخه بها.
قال المرتضى: والظاهر بغير الوجهين أشبه، لأنه تعالى أخبر عنه أنه وإن بسط إليه أخوه يده ليقتله (1) أي: وهو مريد لقتله، لان اللام بمعنى كي، وهي منبئة عن الإرادة والغرض، ولا شبهة في قبح ذلك، لأن المدافع إنما يحسن منه المدافعة للظالم، طلبا للتخلص من غير أن يقصد إلى قتله، فكأنه قال: لئن ظلمتني، لم أظلمك.
(إني أخاف الله رب العالمين) (2) في مدي إليك يدي لقتلك (إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك) معناه: إني لا أبدؤك بالقتل، ولاني أريد أن ترجع بإثم قتلي، إن قتلتني، وإثمك الذي كان منك قبل قتلي، عن ابن عباس، والحسن، وابن مسعود، وقتادة، ومجاهد، والضحاك. وقال الجبائي، والزجاج: وإثمك الذي من أجله لم يتقبل قربانك. وقيل: معناه بإثم قتلي، وإثمك الذي هو قتل جميع الناس، حيث سننت القتل. ومعنى (تبوء بإثمي): تبوء بعقاب إثمي، لأنه لا يجوز لأحد أن يريد معصية الله من غيره، ولكن يجوز أن يريد عقابه المستحق عليه بالمعصية.
ومتى قيل: كيف يحسن إرادة عقاب لم يقع سببه، فإن القتل على هذا لم يكن واقعا؟ فجوابه: إن ذلك بشرط وقوع ما يستحق به العقاب، فهابيل لما رأى من أخيه العزم على قتله، وغلب على ظنه ذلك، جاز أن يريد عقابه، بشرط أن يفعل ما عزم عليه.
(فتكون من أصحاب النار) أي فتصير بذلك من الملازمين النار (وذلك جزاء الظالمين) أي: عقاب العاصين، ويحتمل أن يكون هذا إخبار عن قول هابيل، ويحتمل أن يكون ابتداء حكم من الله تعالى. (فطوعت له نفسه) فيه أقوال أحدها:
إن معناه شجعته نفسه (على قتل أخيه) أي: على أن يقتل أخاه، عن مجاهد.