وبينهم بحكمك، وسماهم فساقا، وإن كانوا قد كفروا بالرد على نبيهم، لخروجهم من الايمان إلى الكفر، والفسق، والخروج من الطاعة إلى المعصية، والكفر من أعظم المعاصي، قال الله تعالى: (إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه) وقيل، في سؤال موسى الفرق بينه وبينهم، قولان أحدهما: إنه سأل تعالى أن يحكم ويقضي بما يدل على بعدهم عن الحق والصواب فيما ارتكبوا من العصيان، ولذلك ألقوا في التيه، عن ابن عباس، والضحاك والأخر: إنه سأله أن يفرق بينه وبينهم في الآخرة، بأن يكون هؤلاء في النار، ويكون هو في الجنة، ولو دعا عليهم بالهلاك لأهلكوا عن الجبائي (قال) أي: قال الله سبحانه لموسى عليه السلام، (فإنها محرمة عليهم) أي: إن الأرض المقدسة حرمت عليهم، وفي كيفية التحريم قولان:
أحدهما: إنه تحريم منع، كقول امرئ القيس:
جالت لتصرعني فقلت لها اقصري * إني امرؤ صرعي عليك حرام يعني دابته التي هو راكبها، ويريد بذلك: إني فارس لا تملكين أن تصرعيني.
وقيل: يجوز أن يكون تحريم تعبد، عن أبي علي الجبائي، والأول أظهر. وقال البلخي: يجوز أن يكونوا أمروا بأن يطوفوا فيه (أربعين سنة يتيهون في الأرض) يعني: يتحيرون في المسافة التي بينهم وبينها، لا يهتدون إلى الخروج منها، وكان مقداره ستة فراسخ، عن الربيع، كانوا يصبحون حيث أمسوا، ويمسون حيث أصبحوا، عن الحسن، ومجاهد. وقال أكثر المفسرين: إن موسى وهارون كانا معهم في التيه. وقيل أيضا: إنهما لم يكونا في التيه، لان التيه عذاب، وعذبوا عن كل يوم عبدوا فيه العجل سنة، والأنبياء لا يعذبون.
قال الزجاج: إن كانا في التيه، فجائز أن يكون الله تعالى سهل عليهما ذلك، كما سهل على إبراهيم النار، فجعلها عليه بردا وسلاما، وشأنها الاحراق، ومات موسى عليه السلام في التيه، وفتح المدينة يوشع وصي موسى بعده، وكان يوشع ابن أخت موسى، ووصيه، والنبي في قومه بعده، عن ابن عباس. وقيل: لم يمت في التيه، عن الحسن، ومجاهد، قالا: وفتح المدينة موسى.
ومتى سئل فقيل: كيف يجوز على عقلاء كثيرين أن يسيروا في فراسخ يسيرة، فلا يهتدوا للخروج منها؟ فالجواب عنه من وجهين أحدهما: أن يكون ذلك بأن تحول الأرض التي هم عليها إذا ناموا، فيردوا إلى المكان الذي ابتدأوا منه، عن أبي علي.