والجبار في صفة الله تعالى صفة تعظيم، لأنه يفيد الاقتدار، وهو سبحانه لم يزل جبارا، بمعنى أن ذاته تدعو العارف بها إلى تعظيمها. والفرق بين الجبار والقهار أن القهار هو الغالب لمن ناواه، أو كان في حكم المناوي بمعصيته إياه، ولا يوصف سبحانه فيما لم يزل بأنه قهار. والجبار في صفة المخلوقين، صفة ذم، لأنه يتعظم بما ليس له، فإن العظمة لله سبحانه.
الإعراب: (فاذهب أنت وربك): إنما أتى بالضمير المرفوع المنفصل، تأكيدا للضمير المستكن في (إذهب)، ليصح العطف عليه، فإنه يقبح العطف بالاسم الظاهر على الضمير المستكن، والمتصل، من غير أن يؤكد، لأنه يصير كأنه معطوف على الفعل، إذا عطف على ما هو متصل بالفعل، غير مفارق له، ولا يجوز أن يقال إنه أبرز الضمير، فإن الضمير إذا أبرز يصير الفعل خاليا منه، وقوله (اذهب): غير فارغ من الضمير، وإنما حسن العطف على الضمير المتصل في قوله (فأجمعوا أمركم وشركاءكم) لأن ذكر المفعول صار عوضا من الضمير المنفصل كما كان لا في قوله (لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا) عوضا منه.
المعنى: ثم ذكر جواب القوم فقال سبحانه: (قالوا) يعني بني إسرائيل (يا موسى إن فيها) أي: في الأرض المقدسة (قوما) أي: جماعة (جبارين):
شديدي البطش والبأس والخلق، قال ابن عباس: بلغ من جبرية هؤلاء القوم أنه لما بعث موسى عليه السلام من قومه اثني عشر نقيبا ليخبروه خبرهم، رآهم رجل من الجبارين يقال له: عوج، فأخذهم في كمه مع فاكهة كان يحملها من بستانه، وأتى بهم الملك، فنثرهم بين يديه، وقال للملك تعجبا منهم: هؤلاء يريدون قتالنا! فقال الملك ارجعوا إلى صاحبكم فأخبروه خبرنا. قال مجاهد: وكان فاكهتهم لا يقدر على حمل عنقود منها خمسة رجال بالخشب، ويدخل في قشر نصف رمانة خمسة رجال، وإن موسى عليه السلام كان طوله عشرة أذرع، وله عصا طولها عشرة أذرع، ونزا من الأرض مثل ذلك، فبلغ كعب عوج بن عنق، فقتله. وقيل: كان طول سريره ثمانمائة ذراع (وإنا لن ندخلها) يعني لقتالهم (حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا) يعني: الجبارين (منها فإنا داخلون). (قال رجلان): من جملة النقباء الذين بعثهم موسى ليعرف