و أجيب بأن ذلك بعد أن يقع الاستقرار في الجنة أو النار و أما في عرصات القيامة فلا مانع من ذلك و قد قال تعالى يوم يكشف عن ساق و يدعون إلى السجود فلا يستطيعون و في الصحيحين أن الناس يؤمرون بالسجود فيصير ظهر المنافق طبقا فلا يستطيع أن يسجد * ثامنها أنهم في الجنة و قد تقدم القول فيه في باب فضل من مات له ولد قال النووي و هو المذهب الصحيح المختار الذي صار إليه المحققون لقوله تعالى و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا و إذا كان لا يعذب العاقل لكونه لم تبلغه الدعوة فلأن لا يعذب غير العاقل من باب الأولى و لحديث سمرة المذكور في هذا الباب و لحديث عمة خنساء المتقدم ولحديث عائشة الآتي قريبا * تاسعها الوقف عاشرها الإمساك و في الفرق بينهما دقة ثم أورد المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث ابن عباس و أبي هريرة سئل عن أولاد المشركين و في رواية ابن عباس ذراري المشركين و لم أقف في شئ من الطرق على تسمية هذا السائل لكن عند أحمد و أبي داود عن عائشة ما يحتمل أن تكون هي السائلة فأخرجا من طريق عبد الله بن أبي قيس عنها قالت قلت يا رسول الله ذراري المسلمين قال مع آبائهم قلت يا رسول الله بلا عمل قال الله أعلم بما كانوا عاملين الحديث و روى عبد الرزاق من طريق أبي معاذ عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت سألت خديجة النبي صلى الله عليه و سلم عن أولاد المشركين فقال هم مع آبائهم ثم سألته بعد ذلك فقال الله أعلم بما كانوا عاملين ثم سألته بعد ما استحكم الإسلام فنزل ولا تزر وازرة وزر أخرى قال هم على الفطرة أو قال في الجنة و أبو معاذ هو سليمان بن أرقم و هو ضعيف و لو صح هذا لكان قاطعا للنزاع رافعا لكثير من الإشكال المتقدم (قوله الله أعلم) قال بن قتيبة معنى قوله بما كانوا عاملين أي لو أبقاهم فلا تحكموا عليه بشئ و قال غيره أي علم أنهم لا يعملون شيئا ولا يرجعون فيعملون أو أخبر بعلم شئ لو وجد كيف يكون مثل قوله ولو ردوا لعادوا (3) و لكن لم يرد أنهم يجازون بذلك في الآخرة لأن العبد لا يجازى بما لم يعمل * (تنبيه) * لم يسمع ابن عباس هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم بين ذلك أحمد من طريق عمار بن أبي عمار عن ابن عباس قال كنت أقول في أولاد المشركين هم منهم حتى حدثني رجل عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلقيته فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ربهم أعلم بهم هو خلقهم و هو أعلم بما كانوا عاملين فأمسكت عن قولي انتهى و هذا أيضا يدفع القول الأول الذي حكيناه و أما حديث أبي هريرة فهو طرف من ثاني أحاديث باب كما سيأتي في القدر من طريق همام عن أبي هريرة ففي آخره قالوا يا رسول الله أفرأيت من يموت و هو صغير قال الله أعلم بما كانوا عاملين و كذا أخرجه مسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ فقال رجل يا رسول الله أرأيت لو مات قبل ذلك و لأبي داود من طريق مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة نحو رواية همام و أخرج أبو داود عقبه عن ابن وهب سمعت مالكا و قيل له أن أهل الأهواء يحتجون علينا بهذا الحديث يعني قوله فأبواه يهودانه أو ينصرانه فقال مالك احتج عليهم بآخره الله أعلم بما كانوا عاملين و وجه ذلك أن أهل القدر استدلوا على أن الله فطر العباد على الإسلام و أنه لا يضل أحدا و إنما يضل الكافر أبوهم فأشار مالك إلى الرد عليهم بقوله الله أعلم فهو دال على أنه يعلم بما يصيرون إليه بعد إيجادهم على الفطرة فهو دليل على تقدم العلم الذي ينكره غلاتهم و من ثم قال الشافعي أهل القدر إن أثبتوا العلم خصموا
(١٩٦)