غصبهما للخلافة أنهما إنما قدما عليهما في أمر الحرب فقط، وقد كانا أعلم منهما فيه قطعا كما دل عليه الأخيار والآثار هذا أن جعلنا التقديم والتأخير منوطا باختيار الله تعالى وأما أن جعلناه منوطا باختيار الأمة كما هو مذهب الجمهور فهو أيضا غير مقبول لأنه يقبح في العقول أيضا أن يجعل المفضول المبتدي في الفقه مقدما على ابن عباس رضي الله عنه وذلك بين عند كل عاقل والمخالف فيه مكابر.
ومن العجائب أن ابن أبي الحديد المعتزلي خالف هيهنا مقتضى ما أجمع عليه من القول بالحسن والقبح العقليين ونسب هذا التقديم الذي ذهب إليه إلى الله عز وجل فقال في خطبة شرحه لنهج البلاغة " وقدم المفضول على الفاضل لمصلحة اقتضاها التكليف " وهذا في غاية ما يكون من السخف، لأنه نسب ما هو قبيح عقلا إلى الله عز وجل، مع أنه عدلي المذهب، فقد خالف مذهبه، ولهذا حمل الشكايات الواردة من علي عليه السلام عن الصحابة، والتظلم منهم في الخطبة الموسومة بالشقشقية و غيرها على ذلك ولا يخفى أن الحمل على ذلك مما لا وجه له سوى التحامل على علي عليه السلام لأن هذا التقديم إن كان من الله تعالى، لم يصح من علي عليه السلام الشكاية مطلقا لأنها حينئذ تكون ردا على الله، والرد عليه على حد الكفر وإن كان من الخلق فإن كان هذا التقديم لمصلحة المكلفين وعلم بها جميع الخلق غير علي عليه السلام فقد نسبه عليه السلام إلى الجهل بما عرفه عامة الخلق وإن كان لا لمصلحة كان تقديما بمجرد التشهي فلم يكن الشكاية على الوجه الذي توهمه فلا وجه لحملها عليه هذا والعقل والنقل كما أشرنا إليه دال على قبح ذلك أما العقل فظاهر وأما النقل فلأن القرآن نص على إنكار ذلك حيث قال تعالى " أفمن يهدي إلى الحق