وإن كان فاجرا حيث لم يكن للمدعي برهان. والحق الذي لا ينبغي العدول عنه أن يقال: إن كانت الأمور التي جعلها الشارع أسبابا للحكم كالبينة واليمين ونحوهما أمورا تعبدنا الله بها لا يسوغ لنا الحكم إلا بها، وإن حصل لنا ما هو أقوى منها بيقين. فالواجب علينا الوقوف عندها والتقيد بها وعدم العمل بغيرها في القضاء كائنا ما كان، وإن كانت أسبابا يتوصل الحاكم بها إلى معرفة المحق من المبطل والمصيب من المخطئ غير مقصودة لذاتها بل لأمر آخر، وهو حصول ما يحصل للحاكم بها من علم أو ظن، وأنها أقل ما يحصل له ذلك في الواقع، فكان الذكر لها لكونها طرائق لتحصيل ما هو المعتبر، فلا شك ولا ريب أنه يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه، لأن شهادة الشاهدين والشهود لا تبلغ إلى مرتبة العلم الحاصل عن المشاهدة أو ما يجري مجراها، فإن الحاكم بعلمه غير الحاكم الذي يستند إلى شاهدين أو يمين. ولهذا يقول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: فمن قضيت له بشئ من مال أخيه فلا يأخذه إنما أقطع له قطعة من نار فإذا جاز الحكم مع تجويز كون الحكم صوابا وتجويز كونه خطأ فكيف لا يجوز مع القطع بأنه صواب لاستناده إلى العلم اليقين؟ ولا يخفى رجحان هذا وقوته لأن الحاكم به قد حكم بالعدل والقسط والحق كما أمر الله تعالى. ويؤيد هذا ما سيأتي في باب استحلاف المنكر حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم للكندي: ألك بينة؟ فإن البينة في الأصل ما به يتبين الامر ويتضح، ولا يرد على هذا أنه يستلزم قبول شهادة الواحد والحكم بها، لأنا نقول: إذا كان القضاء بأحد الأسباب المشروعة فيجب التوقف فيه على ما ورد. وقد قال تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) * (الطلاق: 2) وقال صلى الله عليه وآله وسلم: شاهداك وإنما النزاع إذا جاء بسبب آخر من غير جنسها هو أولى بالقبول منها كعلم الحاكم. واستدل المستثني للحدود بما تقدم من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: لولا الايمان لكان لي ولها شأن. وفي لفظ:
لو كنت راجما أحدا من غير بينة لرجمتها أخرجه مسلم وغيره من حديث ابن عباس في قصة الملاعنة. وظاهره أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد علم وقوع الزنا منها ولم يحكم بعلمه. ومن ذلك قول أبي بكر وعبد الرحمن المتقدمان. ويمكن أن يجاب عن الحديث بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما لم يعمل بعلمه لكونه قد