حصل التلاعن وهو أحد الأسباب الشرعية الموجبة للحكم بعدم الرجم، والنزاع إنما هو في الحكم بالعلم من دون أن يتقدم سبب شرعي ينافيه، وقد تقدم في اللعان ما يزيد هذا وضوحا. ومن الأدلة الدالة على جواز الحكم بالعلم ما أخرجه أحمد والنسائي والحاكم من حديث عطاء بن السائب عن أبي يحيى عن الأعرج عن أبي هريرة قال: جاء رجلان يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال للمدعي أقم البينة فلم يقمها، فقال للآخر: احلف فحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما له عنده شئ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قد فعلت ولكن غفر لك بإخلاص لا إله إلا الله. وفي رواية للحاكم: بل هو عندك ادفع إليه حقه، ثم قال: شهادتك أن لا إله إلا الله كفارة يمينك. وفي رواية لأحمد: فنزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إنه كاذب إن له عنده حقه فأمره أن يعطيه وكفارة يمينه معرفة لا إله إلا الله وأعله ابن حزم بأبي يحيى وهو مصدع المعرقب، كذا قال ابن عساكر، وتعقبه المزي بأنه وهم بل اسمه زياد، كذا اسمه عند أحمد والبخاري وأبي داود في هذا الحديث. وأعله أبو حاتم برواية شعبة عن عطاء بن السائب عن البختري بن عبيد عن أبي الزبير مختصرا:
أن رجلا حلف بالله وغفر له قال: وشعبة أقدم سماعا من غيره. وفي الباب عن أنس من طريق الحارث بن عبيد عن ثابت وعن ابن عمر. قال الحافظ:
أخرجهما البيهقي، والحارث بن عبيد هو أبو قدامة. فهذا الحديث فيه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قضى بعلمه بعد وقوع السبب الشرعي وهو اليمين، فبالأولى جواز القضاء بالعلم قبل وقوعه. وقد حكي في البحر عن الامام يحيى وأحد قولي المؤيد بالله وأحد قولي الشافعي أنه يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه في الحدود وغيرها، واستدل لهم بأنه لم يفصل الدليل. وحكي عن أبي حنيفة ومحمد أنه إن علم الحد قبل ولايته أو في غير بلد ولايته لم يحكم به إذ ذلك شبهة، وإن علم به في بلد ولايته أو بعد ولايته حكم بعلمه.