ابن القاص بسنده عن عراك بن مالك عن أبيه عن جده عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حبس في تهمة يوما وليلة استظهارا وطلبا لاظهار الحق بالاعتراف. وأخرج أبو داود من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أنه قام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: جيراني بما أخذوا، فأعرض عنه مرتين لكونه كلمه في حال الخطبة، ثم ذكر شيئا فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: خلوا له عن جيرانه، فهذا يدل على أنهم كانوا محبوسين، ويدل أيضا على جواز الحبس ما تقدم في باب ملازمة الغريم، فإن تسليط ذي الحق عليه وملازمته له نوع من الحبس، وكذلك يدل على الجواز حديث: مطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته لأن العقوبة مطلقة، والحبس من جملة ما يصدق عليه المطلق، وقد تقدم الحديث في كتاب التفليس.
وحكى أبو داود عن ابن المبارك أنه قال في تفسير الحديث: يحل عرضه أي يغلظ عليه وعقوبته يحبس له. وروى البيهقي: أن عبدا كان بين رجلين فأعتق أحدهما نصيبه فحبسه النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى باع غنيمة له وفيه انقطاع، وقد روي من طريق أخرى عن عبد الله بن مسعود مرفوعا، وقد بوب البخاري على ذلك في صحيحه، فقال في الأبواب التي قبل كتاب اللقطة ما لفظه: باب الربط والحبس في الحرم، قال في الفتح: كأنه أشار بهذا التبويب إلى رد ما نقل عن طاوس أنه كان يكره السجن بمكة ويقول: لا ينبغي لبيت عذاب أن يكون في بيت رحمة. وأورد البخاري في الرد عليه أن نافع بن عبد الحرث اشترى دارا للسجن بمكة وكان نافع عاملا لعمر على مكة. وأخرج عمر بن شبة في كتاب مكة عن محمد بن يحيى بن غسان الكناني عن هشام بن سليمان عن ابن جريج أن نافع بن عبد الحرث الخزاعي كان عاملا لعمر على مكة فابتاع دار السجن من صفوان، فذكر نحو ما ذكره البخاري وزاد في آخره: وهو الذي يقال له سجن عارم بمهملتين. قال البخاري: وسجن ابن الزبير بمكة انتهى. (والحاصل) أن الحبس وقع في زمن النبوة وفي أيام الصحابة والتابعين فمن بعدهم إلى الآن في جميع الأعصار والأمصار من دون إنكار، وفيه من المصالح ما لا يخفى لو لم يكن منها إلا حفظ أهل الجرائم المنتهكين للمحارم الذين يسعون في الاضرار بالمسلمين ويعتادون ذلك ويعرف من أخلاقهم، ولم يرتكبوا ما يوجب حدا ولا قصاصا حتى يقام ذلك عليهم فيراح منهم العباد والبلاد،