الحاكم وغيره من الامراء حديث: هدايا الامراء غلول أخرجه البيهقي وابن عدي من حديث أبي حميد. قال الحافظ: وإسناده ضعيف، ولعل وجه الضعف أنه من رواية إسماعيل بن عياش عن أهل الحجاز، وأخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة قال الحافظ: وإسناده أشد ضعفا. وأخرجه سنيد بن داود في تفسيره عن عبيدة بن سليمان عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن جابر وإسماعيل ضعيف. وأخرجه الخطيب في تلخيص المتشابه من حديث أنس بلفظ: هدايا العمال سحت وقد تقدم في كتاب الزكاة في باب العاملين عليها حديث بريدة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ: من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذه بعد ذلك فهو غلول أخرجه أبو داود. وقد بوب البخاري في أبواب القضاء باب هدايا العمال وذكر حديث ابن اللتيبة المشهور، والظاهر أن الهدايا التي تهدى للقضاة ونحوهم هي نوع من الرشوة، لأن المهدي إذا لم يكن معتادا للاهداء إلى القاضي قبل ولايته لا يهدي إليه إلا لغرض، وهو إما التقوي به على باطله، أو التوصل لهديته له إلى حقه، والكل حرام كما تقدم، وأقل الأحوال أن يكون طالبا لقربه من الحاكم وتعظيمه ونفوذ كلامه، ولا غرض له بذلك إلا الاستطالة على خصومه، أو الامن من مطالبتهم له، فيحتشمه من له حق عليه، ويخافه من لا يخافه قبل ذلك، وهذه الأغراض كلها تؤول إلى ما آلت إليه الرشوة، فليحذر الحاكم المتحفظ لدينه المستعد للوقوف بين يدي ربه من قبول هدايا من أهدى إليه بعد توليه للقضاء، فإن للإحسان تأثيرا في طبع الانسان، والقلوب مجبولة على حب من أحسن إليها، فربما مالت نفسه إلى المهدي إليه ميلا يؤثر الميل عن الحق عند عروض المخاصمة بين المهدي وبين غيره، والقاضي لا يشعر بذلك، ويظن أنه لم يخرج عن الصواب بسبب ما قد زرعه الاحسان في قلبه، والرشوة لا تفعل زيادة على هذا، ومن هذه الحيثية امتنعت عن قبول الهدايا بعد دخولي في القضاء ممن كان يهدي إلي قبل الدخول فيه، بل من الأقارب فضلا عن سائر الناس، فكان في ذلك من المنافع ما لا يتسع المقام لبسطه، أسأل الله أن يجعله خالصا لوجهه. وقد ذكر المغربي في شرح بلوغ المرام في شرح حديث الرشوة كلاما في غاية السقوط فقال ما معناه: أنه يجوز أن يرشي من كان يتوصل بالرشوة إلى نيل حق أو دفع باطل، وكذلك قال: يجوز للمرتشي أن يرتشي إذا كان ذلك في حق لا يلزمه فعله، وهذا أعم مما قاله المنصور بالله ومن معه كما تقدمت الحكاية لذلك عنهم،
(١٧٣)