جماعة من أهل العلم: الحكمة في ذلك أن جانب المدعي ضعيف لأنه يقول بخلاف الظاهر، فكلف الحجة القوية وهي البينة لأنها لا تجلب لنفسها نفعا ولا تدفع عنها ضررا فيقوى بها ضعف المدعي. وأما جانب المدعى عليه فهو قوي لأن الأصل فراغ ذمته فاكتفى فيه باليمين وهي حجة ضعيفة لأن الحالف يجلب لنفسه النفع ويدفع عنها الضرر فكان ذلك في غاية الحكمة. وقد أخرج الحديث البيهقي بإسناد صحيح كما قال الحافظ بلفظ البينة على المدعي واليمين على من أنكر. وزعم الأصيلي أن قوله البينة الخ إدراج في الحديث. وأخرج ابن حبان عن ابن عمر نحوه. وأخرج الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نحوه. وأخرجه أيضا الدارقطني بإسناد فيه مسلم بن خالد الزنجي وهو ضعيف. وظاهر أحاديث الباب أن اليمين على المنكر والبينة على المدعي ومن كانت اليمين عليه فالقول قوله مع يمينه، ولكنه ورد ما يدل على أنه إذا اختلف البيعان فالقول قول البائع، فأخرج أبو داود والنسائي من حديث الأشعث: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إذا اختلف البيعان ليس بينهما بينة فهو ما يقول رب السلعة أو يتتاركان. وأخرجه أيضا الترمذي وابن ماجة من حديث عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن مسعود، قال الترمذي: هذا مرسل عون بن عبد الله لم يدرك ابن مسعود انتهى. قال المنذري في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ولا يحتج به، وعبد الرحمن لم يسمع من أبيه فهو منقطع، وقد روى هذا الحديث من طرق عن عبد الله بن مسعود كلها لا تصح، قال البيهقي: وأصح إسناد روي في هذا الباب رواية أبي العميس عن عبد الرحمن ابن قيس بن محمد بن الأشعث عن أبيه عن جده، وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في كتاب البيوع في باب ما جاء في اختلاف المتبايعين بما هو أبسط من هذا، وبين أحاديث الباب وهذه الأحاديث عموم وخصوص من وجه، فظاهر أحاديث الباب أن اليمين على المدعى عليه فيكون القول قوله من غير فرق بين كونه بائعا أم لا ما لم يكن مدعيا، فإن كان كذلك فعليه البينة فلا يكون القول قوله. وظاهر الأحاديث المتقدمة في كتاب البيع أن القول قول البائع، وذلك يستلزم أنه لا بينة عليه بل عليه اليمين فقط سواء كان مدعيا أو مدعى عليه، وقد وقع التصريح باستحلاف البائع كما تقدم في رواية في البيع، فمادة التعارض حيث كان البائع مدعيا، والواجب في مثل
(٢٢٠)