ثم كذلك إلى انقراض العالم فالصحابة خير القرون، ولا ينافي هذا تفضيل الواحد من أهل قرن أو الجماعة على الواحد أو الجماعة من أهل قرن آخر، فإن قلت: ظاهر الحديث المتقدم أن أبي عبيدة قال: يا رسول الله أحد خير منا أسلمنا معك وجاهدنا معك؟ فقال: قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولا يروني يقتضي تفضيل مجموع قرن هؤلاء على مجموع قرن الصحابة. قلت: ليس في هذا الحديث ما يفيد تفضيل المجموع على المجموع، وإن سلم ذلك وجب المصير إلى الترجيح لتعذر الجمع، ولا شك أن حديث: خير القرون قرني أرجح من هذا الحديث بمسافات لو لم يكن إلا كونه في الصحيحين، وكونه ثابتا من طرق، وكونه متلقى بالقبول، فظهر بهذا وجه الفرق بين المزيتين من غير نظف إلى الأعمال، كما ظهر وجه الجمع باعتبار الأعمال على ما تقدم تقريره، فلم يبق ههنا إشكال والله أعلم. قوله:
لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان سبب ذلك أن الرجل يرغب إلى المرأة لما جبل عليه من الميل إليها، لما ركب فيه من شهوة النكاح، وكذلك المرأة ترغب إلى الرجل، لذلك فمع ذلك يجد الشيطان السبيل إلى إثارة شهوة كل واحد منهما إلى الآخر فتقع المعصية. قوله: بحبوحة الجنة قال في النهاية: بحبوحة الدار وسطها ، يقال: بحبح إذا تمكن وتوسط المنزل، والمقام والبحبوحة بمهملتين وموحدتين، والمراد أن لزوم الجماعة سبب الكون في بحبوحة الجنة، لأن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ إلى النار كما ثبت في الحديث. قوله: من سره حسنته الخ، فيه دليل على أن السرور لأجل الحسنة، والحزن لأجل السيئة من خصال الايمان، لأن من ليس من أهل الايمان لا يبالي أحسن أم أساء. وأما من كان صحيح الايمان خالص الدين فإنه لا يزال من سيئته في غم لعلمه بأنه مأخوذ بها محاسب عليها، ولا يزال من حسنته في سرور، لأنه يعلم أنها مدخرة له في صحائفه، فلا يزال حريصا على ذلك حتى يوفقه الله عز وجل لحسن الخاتمة. والى هنا انتهى الشرح الموسوم تبيل الأوطار من أسرار منتقى الاخبار بعناية مؤلفه (محمد بن علي بن محمد الشوكاني) غفر الله له ذنوبه وستر عيوبه وتقبل أعماله وأصلح أقواله وأفعاله وخم له بخير ودفع عنه كل بؤس وضير. وصلى الله على سيرنا محمد وعلى آله وسلم.
(تم)