على تخصيص الخمر بالعنب ولهذا اشتهر استعمالها فيه، ولان تحريم الخمر قطعي، وتحريم ما عدا المتخذ من العنب ظني، قال: وإنما يسمى الخمر خمرا لتخمره لا لمخامرة العقل، قال: ولا ينافي ذلك كون الاسم خاصا فيه كما في النجم فإنه مشتق من الظهور ثم هو خاص بالثريا انتهى. قال في الفتح: والجواب عن الحجة الأولى ثبوت النقل عن بعض أهل اللغة بأن غير المتخذ من العنب يسمى خمرا. وقال الخطابي: زعم قوم أن العرب لا تعرف الخمر إلا من العنب فيقال لهم: إن الصحابة الذين سموا غير المتخذ من العنب خمرا عرب فصحاء، فلو لم يكن هذا الاسم صحيحا لما أطلقوه وقال ابن عبد البر: قال الكوفيون: الخمر من العنب لقوله تعالى: * (أعصر خمرا) * (يوسف: 36) قالوا: فدل على أن الخمر هو ما يعصر لا ما ينبذ، قال: ولا دليل فيه على الحصر، قال أهل المدينة وسائر الحجازيين وأهل الحديث كلهم: كل مسكر خمر وحكمه حكم ما اتخذ من العنب، ومن الحجة لهم أن القرآن لما نزل بتحريم الخمر فهم للصحابة وهم أهل اللسان أن كل شئ يسمى خمرا يدخل في النهي ولم يخصوا ذلك بالمتخذ من العنب. وعلى تقدير التسليم فإذا ثبت تسمية كل مسكر خمرا من الشرع كان حقيقة شرعية وهي مقدمة على الحقيقة اللغوية. والجواب عن الحجة الثانية أن اختلاف مشتركين في الحكم لا يلزم منه افتراقهما في التسمية كالزنى مثلا فإنه يصدق على من وطئ أجنبية وعلى من وطئ امرأة جاره والثاني أغلظ من الأول، وعلى من وطئ محرما له وهو أغلظ منهما، واسم الزنا مع ذلك شامل للثلاثة، وأيضا فالاحكام الفرعية لا تشترط فيها الأدلة القطعية، فلا يلزم من القطع بتحريم المتخذ من العنب ، وعدم القطع بتحريم المتخذ من غيره أن لا يكون حراما بل يحكم بتحريمه، وكذا تسميته خمرا، وعن الثالثة ثبوت النقل عن أعلم الناس بلسان العرب كما في قول عمر:
الخمر ما خامر العقل، وكان مستنده ما ادعاه من اتفاق أهل اللغة، فيحمل قول عمر على المجاز، لكن اختلف قول أهل اللغة في سبب تسمية الخمر خمرا فقال ابن الأنباري : لأنها تخامر العقل أي تخالطه، وقيل: لأنها تخمر العقل أي تستره، ومنه خمار المرأة لأنه يستر وجهها، وهذا أخص من التفسير الأول لأنه لا يلزم من المخالطة التغطية، وقيل:
سميت خمرا لأنها تخمر أي تترك، كما يقال: خمرت العجين أي تركته، ولا مانع من صحة