باطلا عمه الخبر. قال المنصور بالله وأبو جعفر وبعض أصحاب الشافعي: وإن طلب بذلك حقا مجمعا عليه جاز. قيل: وظاهر المذهب المنع لعموم الخبر، وإن كان مختلفا فيه فكالباطل إذ لا تأثير لحكمه اه. قلت: والتخصيص لطالب الحق بجواز تسليم الرشوة منه للحاكم لا أدري بأي مخصص، فألحق التحريم مطلقا أخذا بعموم الحديث، ومن زعم الجواز في صورة من الصور فإن جاء بدليل مقبول وإلا كان تخصيصه ردا عليه، فإن الأصل في مال المسلم التحريم: * (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) * (البقرة: 188) لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه، وقد انضم إلى هذا الأصل كون الدافع إنما دفعه لأحد أمرين: إما لينال به حكم الله إن كان محقا وذلك لا يحل لأن المدفوع في مقابلة أمر واجب أوجب الله عز وجل على الحاكم الصدع به، فكيف لا يفعل حتى يأخذ عليه شيئا من الحطام؟ وإن كان الدفع للمال من صاحبه لينال به خلاف ما شرعه الله إن كان مبطلا فذلك أقبح لأنه مدفوع في مقابلة أمر محظور، فهو أشد تحريما من المال المدفوع للبغي في مقابلة الزنا بها، لأن الرشوة يتوصل بها إلى أكل مال الغير الموجب لاحراج صدره والاضرار به، بخلاف المدفوع إلى البغي فالتوصل به إلى شئ محرم وهو الزنا لكنه مستلذ للفاعل والمفعول به، وهو أيضا ذنب بين العبد وربه، وهو أسمح الغرماء، ليس بين العاصي وبين المغفرة إلا التوبة ما بينه وبين الله وبين الامرين بون بعيد. ومن الأدلة الدالة على تحريم الرشوة ما حكاه ابن رسلان في شرح السنن عن الحسن وسعيد بن جبير أنهما فسرا قوله تعالى: * (أكالون للسحت) * (المائدة: 42) بالرشوة. وحكي عن مسروق عن ابن مسعود أنه لما سئل عن السحت أهو الرشوة؟
فقال لا، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون والظالمون والفاسقون. ولكن السحت أن يستعينك الرجل على مظلمته فيهدي لك فإن أهدى لك فلا تقبل. وقال أبو وائل شقيق بن سلمة أحد أئمة التابعين القاضي: إذا أخذ الهدية فقد أكل السحت ، وإذا أخذ الرشوة بلغت به الكفر. رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح اه. ما حكاه ابن رسلان. ويدل على المنع من قبول هدية من استعان بها على دفع مظلمته ما أخرجه أبو داود عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا وفي إسناده القاسم بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن الأموي مولاهم الشامي وفيه مقال. ويدل على تحريم قبول مطلب الهدية على