الخصوم، ثم لا بد أن يكون عاقلا مائلا عن الهوى. ثم قال: وهذا وإن كنا نعلم أنه ليس على وجه الأرض أحد يجمع هذه الصفات، ولكن يجب أن يطلب من أهل كل زمان أكملهم وأفضلهم. وقال المهلب: لا يكفي في استحباب القضاء أن يرى نفسه أهلا لذلك بل أن يراه الناس أهلا له. وقال ابن حبيب عن مالك: لا بد أن يكون القاضي عالما عاقلا، قال ابن حبيب: فإن لم يكن علم فعقل وورع، لأنه بالورع يقف وبالعقل يسأل، وهو إذا طلب العلم وجده، فإذا طلب العقل لم يجده انتهى. قلت: ماذا يصنع الجاهل العاقل عند ورود مشكلات المسائل، وغاية ما يفيده العقل التوقف عند كل خصومة ترد عليه، وملازمة سؤال أهل العلم عنها، والاخذ بأقوالهم مع عدم المعرفة لحقها من باطلها، وما بهذا أمر الله عباده، فإنه أمر الحاكم أن يحكم بالحق وبالعدل وبالقسط وبما أنزل، ومن أين لمثل هذا العاقل العاطل عن حلية الدلائل أن يعرف حقية هذه الأمور؟ بل من أين له أن يتعقل الحجة إذا جاءته من كتاب أو سنة حتى يحكم بمدلولها؟ ثم قد عرف اختلاف طبقات أهل العلم في الكمال والقصور والانصاف والاعتساف والتثبت والاستعجال والطيش والوقار والتعويل على الدليل والقنوع بالتقليد، فمن أين لهذا الجاهل العاقل معرفة العالي من السافل حتى يأخذ عنه أحكامه وينيط به حله وإبرامه؟ فهذا شئ لا يعرف بالعقل باتفاق العقلاء، فما حال هذا القاضي إلا كحال من قال فيه من قال:
كبهيمة عمياء قاد زمامها * أعمى على عوج الطريق الحائر قوله: لا تأمرن على اثنين الخ، في هذا النهي بعد إمحاض النصح بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: إني أحب لك ما أحب لنفسي إرشاد للعباد إلى ترك تحمل أعباء الأمارة مع الضعف عن القيام بحقها من أي جهة من الجهات التي يصدق على صاحبها أنه ضعيف فيها، وقد قدمنا كلام النووي على هذا الحديث في باب كراهية الحرص على الامارة. قوله: وإن أمر عليكم عبد حبشي بفتح المهملة والموحدة بعدها معجمة منسوب إلى الحبشة. قوله: كأن رأسه زبيبة هي واحدة الزبيب المأكول المعروف الكائن من العنب إذا جف، وإنما شبه رأس العبد بالزبيبة لتجمعها ولكون شعره أسود، وهو تمثيل في الحقارة وبشاعة الصورة وعدم الاعتداد بها. وقد حكى الحافظ في الفتح عن ابن بطال عن المهلب أنها لا تجب الطاعة للعبد إلا إذا كان المستعمل له إماما قرشيا، لان