في غاية البعد عن الدلالة على المقصود. وكذلك ما ذكره المصنف في هذا الباب، فإن حديث عائشة ليس فيه إلا مجرد وقوع الاخبار منه صلى الله عليه وآله وسلم بما وقع به الرضا من الطالبين للقود، وإن كان الاحتجاج بعدم القضاء منه صلى الله عليه وآله وسلم عليهم بما رضوا به المرة الأولى فلم يكن هناك مطالب له بالحكم عليهم. وكذلك حديث جابر المذكور لا يدل على المطلوب بوجه، وغاية ما فيه الامتناع عن القتل لمن كان في الظاهر من الصحابة لئلا يقول الناس تلك المقالة، والاخبار للحاضرين بما يكون من أمر الخوارج، وترك أخذهم بذلك لتلك العلة، ومن جملة ما استدل به البخاري على الجواز حديث هند زوجة أبي سفيان لما أذن لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تأخذ من ماله ما يكفيها وولدها، قال ابن بطال: احتج من أجاز للقاضي أن يحكم بعلمه بهذا الحديث لأنه إنما قضى لها ولولدها بوجوب النفقة لعلمه بأنها زوجة أبي سفيان ولم يلتمس على ذلك بينة، وتعقبه ابن المنير بأنه لا دليل فيه لأنه خرج مخرج الفتيا، وكلام المفتي يتنزل على تقدير صحة كلام المستفتي اه. فإن قيل: إن محل الدليل إنما هو عمله بعلمه أنها زوجة أبي سفيان فكيف صح هذا التعقب؟ فيجاب بأن الذي يحتاج إلى معرفة المحكوم له هو الحكم لا الافتاء فإنه يصح للمجهول، فإذا ثبت أن ذلك من قبيل الافتاء بطلت دعوى أنه حكم بعلمه أنها زوجة، وقد تعقب الحافظ كلام ابن المنير فقال: وما ادعى نفيه بعيد، فإنه لو لم يعلم صدقها لم يأمرها بالأخذ، واطلاعه على صدقها ممكن بالوحي دون من سواه فلا بد من سبق علم. ويجاب عن هذا بأن الامر لا يستلزم الحكم لأن المفتي يأمر المستفتي بما هو الحق لديه وليس ذلك من الحكم في شئ، ومن جملة ما استدل به على المنع الحديث المتقدم عن أم سلمة: فأقضي بنحو ما أسمع ولم يقل بما أعلم. ويجاب بأن التنصيص على السماع لا ينفي كون غيره طريقا للحكم، على أنه يمكن أن يقال إن الاحتجاج بهذا الحديث للمجوزين أظهر، فإن العلم أقوى من السماع، لأنه يمكن بطلان ما سمعه الانسان ولا يمكن بطلان ما يعلمه. ففحوى الخطاب تقتضي جواز القضاء بالعلم. ومن جملة ما استدل به المانعون حديث: شاهداك أو يمينه وفي لفظ: وليس لك إلا ذلك ويجاب بما تقدم من أن التنصيص على ما ذكر لا ينفي ما عداه. وأما قوله: وليس لك إلا ذلك فلم يقله النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد علم بالمحق منهما من المبطل حتى يكون دليلا على عدم حكم الحاكم بعلمه، بل المراد أنه ليس للمدعي من المنكر إلا اليمين
(١٩٨)