أكثر خصاله. وظاهره أنه ليس من شرط الاجر الذي هو الجنة أن لا يحصل من القاضي جور أصلا، بل المراد أن يكون جوره مغلوبا بعدله، فلا يضر صدور الجور المغلوب بالعدل، إنما الذي يضر ويوجب النار أن يكون الجور غالبا للعدل، قيل: هذا الحديث محمول على ما إذا لم يوجد غير هذا القاضي الذي طلب القضاء جمعا بينه وبين أحاديث الباب. وقد تقدم طرف من الجمع، وبقي الكلام في استحقاق الأمير للإعانة هل يكون بمجرد إعطائه لها من غير مسألة كما يدل عليه حديث عبد الرحمن بن سمرة المذكور في الباب؟ أم لا يستحقها إلا بالاكراه والإجبار كما يدل عليه حديث أنس المذكور أيضا؟ فقال ابن رسلان: إن المطلق مقيد بما إذا أكره على الولاية وأجبر على قبولها، فلا ينزل الله إليه الملك يسدده إلا إذا أكره على ذلك جبرا، ولا يحصل هذا لمن عرضت عليه الولاية فقبلها من دون إكراه كما في لفظ الترمذي من رواية بلال بن مرداس: ومن أكره عليه أنزل الله عليه ملكا يسدده. وقال: حسن غريب.
ولا يخفى ما في حديث أنس من المقال الذي قدمناه مع اضطراب ألفاظه التي أشرنا إلى بعضها، وأكثر ألفاظه بدون ذكر الاجبار والاكراه، كما في سنن أبي داود وغيرها، على أنه على فرض صحته وصلاحيته لا معارضة بينه وبين حديث عبد الرحمن بن سمرة، لأن حديث عبد الرحمن فيه أن من أعطي الامارة من غير مسألة أعين عليها وليس فيه نزول الملك للتسديد. وحديث أنس فيه أن من أجبر نزل عليه ملك يسدده، فغايته أن الإعانة تحصل بمجرد إعطاء الامارة من غير مسألة، بخلاف نزول الملك فلا يحصل إلا بالاجبار، فلا معارضة ولا إطلاق ولا تقييد إلا في حديث أنس نفسه، فيمكن أن يحمل المطلق من ألفاظه عن الاجبار والاكراه بالمقيد بهما إذا انتهض لذلك. لا يقال: إن إنزال الملك للتسديد نوع من الإعانة فتثبت المعارضة. لأنا نقول: بعض أنواع الإعانة لا يعارض البعض الآخر.