فيه خلاف يأتي إن شاء الله. قوله: إنه لا يرد شيئا فيه إشارة إلى تعليل النهي عن النذر.
وقد اختلف العلماء في هذا النهي، فمنهم من حمله على ظاهره، ومنهم من تأوله، قال ابن الأثير في النهاية: تكرر النهي عن النذر في الحديث وهو تأكيد لامره وتحذير عن التهاون به بعد إيجابه، ولو كان معناه الزجر عنه حتى لا يفعل لكان في ذلك إبطال حكمه وإسقاط لزوم الوفاء به، إذ يصير بالنهي معصية فلا يلزم، وإنما وجه الحديث أنه قد أعلمهم أن ذلك الامر لا يجر إليهم في العاجل نفعا ولا يصرف عنهم ضررا ولا يغير قضاء فقال: لا تنذروا على أنكم تدركون بالنذر شيئا لم يقدر الله لكم أو تصرفون به عنكم ما قدره عليكم، فإذا نذرتم فاخرجوا بالوفاء فإن الذي نذرتموه لازم لكم انتهى. وقال أبو عبيد: النهي عن النذر والتشديد فيه ليس هو أن يكون مأثما، ولو كان كذلك ما أمر الله تعالى أن يوفى به ولا حمد فاعله، ولكن وجهه عندي تعظيم شأن النذر وتغليظ أمره لئلا يستهان بشأنه فيفرط في الوفاء به ويترك القيام به. ثم استدل على الحث على الوفاء به من الكتاب والسنة، وإلى ذلك أشار المازري بقوله: ذهب بعض علمائنا إلى أن الغرض بهذا الحديث التحفظ في النذر قال: وهذا عندي بعيد من ظاهر الحديث. ويحتمل عندي أن يكون وجه الحديث أن الناذر يأتي بالقربة مستثقلا لها لما صارت عليه ضربة لازب وكل ملزوم فإنه لا ينشط للفعل نشاط مطلق الاختيار، ويحتمل أن يكون سببه أن الناذر لما لم يب ذل القربة إلا بشرط أن يفعل له ما يريد صار كالمعاوضة التي تقدح في نية المتقرب ، قال: ويشير إلى هذا التأويل قوله: إنه لا يأتي بخير. وقوله: إنه لا يقرب من ابن آدم شيئا لم يكن الله قدره له وهذا كالنص على هذا التعليل انتهى. والاحتمال الأول يعم أنواع النذر. والثاني يخص نوع المجازاة. وزاد القاضي عياض فقال: إن الاخبار بذلك وقع على سبيل الاعلام من أنه لا يغالب القدر ولا يأتي الخير بسببه، والنهي عن اعتقاد خلاف ذلك خشية أن يقع ذلك في ظن بعض الجهلة، قال: ومحصل مذهب الامام مالك أنه مباح إلا إذا كان مؤبدا لتكرره عليه في أوقات فقد يثقل عليه فعله، فيفعله بالتكلف من غير طيبة نفس وخالص نية. قوله: إنه لا يرد شيئا يعني مما يكرهه الناذر وأوقع النذر استدفاعا له، وأعم من هذه الرواية ما في البخاري وغيره بلفظ: إنه لا يأتي بخير فإنه قد ينظر استجلابا لنفع أو استدفاعا