ظاهر الحديثين أنه لا يشرب الخمر في الجنة ولا يلبس الحرير فيها، وذلك لأنه استعجل ما أمر بتأخيره ووعد به فحرمه عند ميقاته، وفصل بعض المتأخرين بين من شربها مستحلا فهو الذي لا يشربها أصلا لأنه لا يدخل الجنة أصلا، وعدم الدخول يستلزم حرمانها ومن شربها عالما بتحريمها فهو محل الخلاف، وهو الذي يحرم شربها مدة ولو في حال تعذيبه إن عذب، أو المعنى أن ذاك جزاؤه إن جوزي وفي الحديث: إن التوبة تكفر المعاصي الكبائر وذلك في التوبة من الكفر قطعي وفي غيره من الذنوب، خلاف بين أهل السنة هل هو قطعي أو ظني؟ قال النووي: الأقوى أنه ظني وقال القرطبي: من استقرأ الشريعة علم أن الله يقبل توبة الصادقين قطعا، وللتوبة والصادقة شروط مدونة في مواطن ذلك. وظاهر الوعيد أنه يتناول من شرب الخمر إن لم يحصل له السكر، لأنه رتب الوعيد في الحديث على مجرد الشرب من غير تقييد.
قال في الفتح: وهو مجمع عليه في الخمر المتخذ من عصير العنب، وكذا فيما يسكر من غيرها، وأما ما لا يسكر من غيرها فالامر فيه كذلك عند الجمهور. قوله: مدمن الخمر كعابد وثن هذا وعيد شديد وتهديد ما عليه مزيد لأن عابد الوثن أشد الكافرين كفرا، فالتشبيه لفاعل هذه المعصية بفاعل العبادة للوثن من أعظم المبالغة والزجر لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. قوله: إن الله حرم الخمر اختلف في بيان الوقت الذي حرمت فيه الخمر فقال الدمياطي في سيرته بأنه كان عام الحديبية والحديبية كانت سنة ست وذكر ابن إسحاق أنه كان في وقعة بني النضير وهي بعد أحد وذلك سنة أربع على الراجح. قوله: فمن أدركته هذه الآية لعله يعني قوله تعالى: * (إنما الخمر والميسر) * (المائدة: 90). قوله: أفلا أكارم بها اليهود قال في القاموس: كارمه فكرمه كنصره غلبه فيه اه. ولعل المراد هنا المهاداة، قال في النهاية: المكارمة أن تهدي لانسان شيئا ليكافئك عليه وهي مفاعلة من الكرم اه. قوله: ثم نزلت إنما الخمر والميسر أخرج أبو داود عن ابن عباس أن قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) * (النساء: 43) وقوله تعالى: * (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس) * (البقرة: 219) نسختهما التي في المائدة: * (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس ) * وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال. ووجه النسخ أن الآية الآخرة فيها