للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: أحب أموالي إلي بيرحاء لحائط له مستقبلة المسجد متفق عليه.
حديث أبي الأحوص أخرجه أيضا أبو داود والنسائي والترمذي والحاكم في المستدرك ورجال إسناده رجال الصحيح. وحديث سويد بن هبيرة أخرجه أيضا أبو سعيد والبغوي وابن قانع والطبراني في الكبير والبيهقي في السنن والضياء المقدسي في المختارة وصححه، وأخرجه أيضا عنه من طريق أخرى العسكري. وحديث عمر قد سبق في أول كتاب الوقف. قوله: فإذا آتاك الله مالا ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إتيان المال مع أمره بإظهار النعمة عليه يدل على أنه علة، لأنه لو لم يمكن التعليل لما كان لإعادة ذكره فائدة وكان ذكره عبثا، وكلام الشارع منزه عنه. قوله: فلير بسكون لام الامر والياء المثناة التحتية مضمومة، ويجوز بالمثناة من فوق باعتبار النعم المذكورة، ويجوز أيضا بالمثناة من تحت المفتوحة. وفيه أنه يستحب للغني أن يلبس من الثياب ما يليق به ليكون ذلك إظهارا لنعمة الله عليه ، إذ الملبوس هو أعظم ما يظهر فيه الفرق بين الأغنياء والفقراء، فمن لبس من الأغنياء ثياب الفقراء صار مماثلا لهم في إيهام الناظر له أنه منهم، وذلك ربما كان من كفران نعمة الله عليه، وليس الزهد والتواضع في لزوم ثياب الفقر والمسكنة، لأن الله سبحانه أحل لعباده الطيبات، ولم يخلق لهم جيد الثياب إلا لتلبس ما لم يرد النص على تحريمه، ومن فوائد إظهار أثر الغنى أن يعرفه ذوو الحاجات فيقصدونه لقضاء حوائجهم.
وقد أخرج الترمذي حديث: إن الله يحب أن يرى أثر نعمته بالخير على عبده وقال: حسن، فدل هذا على أن إظهار النعمة من محبوبات المنعم، ويدل على ذلك قوله تعالى : * (وأما نعمة ربك فحدث) * (الضحى: 11) فإن الامر منه جل جلاله إذا لم يكن للوجوب كان للندب، وكلا القسمين مما يحبه الله، فمن أنعم الله عليه بنعمة من نعمه الظاهرة أو الباطنة فليبالغ في إظهارها بكل ممكن، ما لم يصحب ذلك الاظهار رياء أو عجب أو مكاثرة للغير، وليس من الزهد والتواضع أن يكون الرجل وسخ الثياب شعث الشعر. فقد أخرج أبو داود والنسائي عن جابر بن عبد الله قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرأى رجلا شعثا قد تفرق شعره فقال: أما كان هذا يجد ما يسكن به شعره؟ ورأي رجلا آخر عليه ثياب وسخة فقال: أما كان هذا يجد ما يغسل به