غير مماسة فلا. ومن جملة ما علل به النهي أن الذي يشرب من فم السقاء قد يغلبه الماء فينصب منه أكثر من حاجته فلا بأس أن يشرق به أو يبل ثيابه. قال ابن العربي:
واحدة من هذه العلل تكفي في ثبوت الكراهة، وبمجموعها تقوي الكراهة جدا. قال ابن أبي جمرة: الذي يقتضيه الفقه أنه لا يبعد أن يكون النهي لمجموع هذه الأمور، وفيها ما يقتضي الكراهة، وفيها ما يقتضي التحريم. والعادة في مثل ذلك ترجيح ما يقتضي التحريم. وقد جزم ابن حزم بالتحريم لثبوت النهي وحمل أحاديث الرخصة على أصل الإباحة. وأطلق أبو بكر الأثرم صاحب أحمد أن أحاديث النهي ناسخة للإباحة، لأنهم كانوا أولا يفعلون ذلك حتى وقع دخول الحية في بطن الذي شرب من فم السقاء فنسخ الجواز. قال العراقي: لو فرق بين ما يكون لعذر كأن تكون القربة معلقة ولم يجد المحتاج إلى الشرب إناء ولم يتمكن من التناول بكفه فلا كراهة حينئذ، وعلى هذا تحمل الأحاديث المذكورة، وبين ما يكون لغير عذر فتحمل عليه أحاديث النهي. قال الحافظ: ويؤيده أن أحاديث الجواز كلها فيها أن القربة كانت معلقة، والشرب من القربة المعلقة أخص من الشرب من مطلق القربة، ولا دلالة في إخبار الجواز على الرخصة مطلقا بل على تلك الصورة وحدها، وحملها على حالة الضرورة جمعا بين الخبرين أولى من حملها على النسخ والله أعلم. قال: وقد سبق ابن العربي أن ما أشار إليه العراقي فقال: ويحتمل أن يكون شربه صلى الله عليه وآله وسلم في حال ضرورة إما عند الحرب وإما عند عدم الاناء أو مع وجوده، لكن لا يمكن تفريغ السقاء في الاناء، ثم قال: ويحتمل أن يكون شرب من أداوة، والنهي محمول على ما إذا كانت القربة كبيرة لأنها مظنة وجود الهوام قال الحافظ : والقربة الصغيرة لا يمتنع وجود شئ من الهوام، فيها، والضرر يحصل به ولو كان حقيرا اه.
وقد عرفت أن كبشة وأم سليم صرحتا بأن ذلك كان في البيت وهو مظنة وجود الآنية، وعلى فرض عدمها فأخذ القربة من مكانها وإنزالها والصب منها إلى الكفين أو أحدهما ممكن، فدعوى أن تلك الحالة ضرورية لم يدل عليها دليل، ولا شك أن الشرب من القربة المعلقة أخص من الشرب مطلقا، ولكن لا فرق في تجويز العذر وعدمه بين المعلقة وغيرها، وليست المعلقة مما يصاحبها العذر دون غيرها حتى يستدل بالشرب منها على اختصاصه بحال الضرورة، وعلى كل حال فالدليل أخص من الدعوى، فالأولى الجمع بين الأحاديث