اختصاص الماء بذلك لكونه قد قيل إنه لا يملك بخلاف سائر المشروبات، ومن ثم اختلف هل يجري الربا فيه وهل يقطع في سرقته؟ اه. ولا يخفى أن حديث أنس نص في اللبن. وحديث سهل بن سعد يعم الماء وغيره، فتأويل قول مالك بأن السنة ثبتت في الماء لا يصح. قوله: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء ظاهر في أنه لو أذن له لأعطاهم، ويؤخذ منه جواز الايثار بمثل ذلك وهو مشكل على ما اشتهر من أنه لا إيثار بالقرب.
وعبارة إمام الحرمين في هذا لا يجوز التبرع في العبادات ويجوز في غيرها، وقد يقال:
إن القرب أعم من العبادة. وقد أورد على هذه القاعدة تجويز جذب واحد من الصف الأول ليصلي معه، فإن خروج المجذوب من الصف الأول لقصد تحصيل فضيلة للجاذب وهي الخروج من الخلاف في بطلان صلاته، ويمكن الجواب بأنه لا إيثار إذ حقيقة الايثار إعطاء ما استحقه لغيره، وهذا لم يعط الجاذب شيئا وإنما رجح مصلحته، لأن مساعدة الجاذب على تحصيل مقصوده ليس فيها إعطاؤه ما كان يحصل للمجذوب لو لم يوافقه. قوله: فتله بفتح المثناة من فوق وتشديد اللام أي وضعه. وقال الخطابي: وضعه بعنف. وأصله من الرمي على التل وهو المكان العالي المرتفع، ثم استعمل في كل شئ رمي به وفي كل إلقاء. وقيل: هو من التلتل بلام ساكنة بين المثناتين المفتوحتين وآخره لام وهو العنق. ومنه وتله للجبين أي صرعه فألقى عنقه وجعل جبينه إلى الأرض، والتفسير الأول أليق بمعنى حديث الباب، وقد أنكر بعضهم تقييد الخطابي الوضع بالعنف. وظاهر هذا أن تقديم الذي على اليمين ليس لمعنى فيه بل لمعنى من جهة اليمين وهو فضلها على جهة اليسار، فيؤخذ منه أن ذلك ليس ترجيحا لمن هو على اليمين بل هو ترجيح لجهة اليمين، وقد يعارض حديث أنس وسهل المذكورين، حديث سهل بن أبي حثمة الذي تقدم في القسامة بلفظ: كبر كبر. وكذلك حديث ابن عباس الذي أخرجه أبو يعلى بسند قوي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا سقي قال: ابدأوا بالأكبر ويجمع بأنه محمول على الحالة التي يجلسون فيها متساوين إما بين يدي الكبير أو عن يساره كلهم أو خلفه. قال ابن المنير، يؤخذ من هذا الحديث أنها إذا تعارضت فضيلة الفاضل وفضيلة الوظيفة اعتبرت فضيلة الوظيفة. قوله: ساقي القوم آخرهم شربا فيه دليل على أنه يشرع لمن تولى سقاية قوم أن يتأخر في الشرب حتى يفرغوا عن آخرهم، وفيه إشارة إلى أن كل من ولي من أمور المسلمين