فهؤلاء إن تركوا وخلي بينهم وبين المسلمين بلغوا من الاضرار بهم إلى كل غاية، وإن قتلوا كان سفك دمائهم بدون حقها، فلم يبق إلا حفظهم في السجن، والحيلولة بينهم وبين الناس بذلك، حتى تصح منهم التوبة أو يقضي الله في شأنهم ما يختاره.
وقد أمرنا الله تعالى بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقيام بهما في حق من كان كذلك، لا يمكن بدون الحيلولة بينه وبين الناس بالحبس، كما يعرف ذلك من عرف أحوال كثير من هذا الجنس. وقد استدل البخاري على جواز الربط بما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم من ربط ثمامة بن أثال بسارية من سواري مسجده الشريف كما في القصة المشهورة في الصحيح.
باب استحلاف المدعى عليه في الأموال والدماء وغيرهما عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى باليمين على المدعى عليه متفق عليه. وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه رواه أحمد ومسلم.
قوله: قضى باليمين على المدعى عليه اختلف الفقهاء في تعريف المدعي والمدعى عليه. قال في الفتح: والمشهور فيه تعريفان الأول أن المدعي من تخالف دعواه الظاهر، والمدعى عليه بخلافه. والثاني من إذا سكت ترك وسكوته، والمدعى عليه من لا يخلى إذا سكت. والأول أشهر، والثاني أسلم. وقد أورد على الأول بأن المودع إذا ادعى الردأ والتلف فإن دعواه تخالف الظاهر، ومع ذلك فالقول قوله.
(واستدل بالحديث) على أن اليمين على المدعى عليه، وقد ذهب إلى ذلك الجمهور ، وحملوه على عمومه في حق كل أحد، سواء كان بين المدعي والمدعى عليه اختلاط أم لا. وعن مالك: لا تتوجه اليمين إلا على من بينه وبين المدعي اختلاط لئلا يبتذل أهل السفه أهل الفضل بتحليفهم مرارا، وقريب من مذهب مالك قول الإصطخري من الشافعية أن قرائن الحال إذا شهدت بكذب المدعي لم يلتفت إلى دعواه. قوله:
لو يعطى الناس الخ، هذا هو وجه الحكمة في جعل اليمين على المدعى عليه. وقال