فليفعل قد تمسك قوم بهذا العموم فأجازوا كل رقية جربت منفعتها ولو لم يعقل معناها، لكن دل حديث عوف أنه يمنع ما كان من الرقي يؤدي إلى الشرك، وما لا يعقل معناه لا يؤمن أن يؤدي إلى الشرك فيمنع احتياطا، وقال قوم: لا تجوز الرقية إلا من العين والحمة كما في حديث عمران بن حصين: لا رقية إلا من عين أو حمة وأجيب بأن معنى الحصر فيه أنهما أصل كل محتاج إلى الرقية، فيلحق بالعين جواز رقية من به مس أو نحوه، لاشتراك ذلك في كون كل واحد ينشأ عن أحوال شيطانية من أنسي أو جني، ويلتحق بالسم كل ما عرض للبدن من قرح ونحوه من المواد السمية، وقد وقع عند أبي داود في حديث أنس مثل حديث عمران وزاد أو دم.
وكذلك حديث أنس المذكور في الباب زاد فيه النملة. وقال قوم: المنهي عنه من الرقي ما يكون قبل وقوع البلاء، والمأذون فيه ما كان بعد وقوعه، ذكره ابن عبد البر والبيهقي وغيرهما وفيه نظر، وكأنه مأخوذ من الخبر الذي قرنت فيه التمائم بالرقى كما في حديث ابن مسعود المذكور في الباب. قوله: نفث النفث نفخ لطيف بلا ريق وفيه استحباب النفث في الرقية. قال النووي: وقد أجمعوا على جوازه واستحبه الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. قال القاضي: وأنكر جماعة النفث في الرقي وأجازوا فيها النفخ بلا ريق قال: وهذا هو المذهب، قال: وقد اختلف في النفث والتفل فقيل هما بمعنى ولا يكون إلا بريق. وقال أبو عبيد: يشترط في التفل ريق يسير ولا يكون في النفث وقيل عكسه. قال: وسئلت عائشة عن نفث النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الرقية فقالت: كما ينفث آكل الزبيب لا ريق معه ولا اعتبار بما يخرج عليه من بلة ولا يقصد ذلك. وقد جاء في حديث الذي رقى بفاتحة الكتاب فجعل يجمع بزاقه ويتفل. قوله: بالمعوذات قال ابن التين: الرقي بالمعوذات وغيرها من أسماء الله تعالى هو الطب الروحاني إذا كان على لسان الأبرار من الخلق حصل الشفاء بإذن الله، فلما عز هذا النوع فزع الناس إلى الطب الجسماني، وتلك الرقي المنهي عنها التي يستعملها المعزم وغيره ممن يدعي تسخير الجن له، تأتي بأمور مشبهة مركبة من حق وباطل يجمع إلى ذلك الله وأسمائه ما يشوبه من ذكر الشياطين والاستعانة بمردتهم، ويقال: إن الحية لعداوتها للانسان بالطبع تصادق الشياطين لكونهم أعداء بني آدم، فإذا عزم على الحية بأسماء الشياطين أجابت وخرجت، فلذلك كره من الرقي ما لم يكن بذكر الله وأسمائه خاصة، وباللسان