فيعود الاشكال كما كان، والمقام يحتاج إلى بسط طويل ومحله الأصول فليرجع إليها.
قال الطحاوي: ذهب قوم إلى أن الحكم بتمليك مال أو إزالة ملك أو إثبات نكاح أو فرقة أو نحو ذلك إن كان في الباطن كما هو في الظاهر نفذ على ما حكم به، وإن كافي الباطن على خلاف ما استند إليه الحاكم من الشهادة أو غيرها لم يكن الحكم موجبا للتمليك ولا الإزالة ولا النكاح ولا الطلاق ولا غيرها وهو قول الجمهور ومعهم أبو يوسف. وذهب آخرون إلى أن الحكم إن كان في مال وكان الامر في الباطن بخلاف ما استند إليه الحاكم من الظاهر لم يكن ذلك موجبا لحله للمحكوم له، وإن كان في نكاح أو طلاق فإنه ينفذ ظاهرا وباطنا، وحملوا حديث الباب على ما ورد فيه وهو المال واحتجوا لما عداه بقصة المتلاعنين، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم فرق بين المتلاعنين مع احتمال أن يكون الرجل قد صدق فيما رماها به، قالوا: فيؤخذ من هذا أن كل قضاء ليس فيه تمليك مال أنه على الظاهر ولو كان الباطن بخلافه، وأن حكم الحاكم يحدث في ذلك التحريم والتحليل بخلاف الأموال، وتعقب بأن الفرقة في اللعان إنما وقعت عقوبة للعلم بأن أحدهما كاذب وهو أصل برأسه فلا يقاس عليه. وقال بعض الحنفية مجيبا على من استدل بالحديث لما تقدم:
بأن ظاهر الحديث يدل على أن ذلك مخصوص بما يتعلق بسماع كلام الخصم حيث لا بينة هناك ولا يمين، وليس النزاع فيه وإنما النزاع في الحكم المرتب على الشهادة، وبأن من في قوله: فمن قضيت له شرطية وهي لا تستلزم الوقوع فيكون من فرض ما لم يقع وهو جائز فيما يتعلق به غرض، وهو هنا محتمل لأن يكون للتهديد والزجر عن الاقدام على أخذ أموال الناس بالمبالغة في الخصومة، وهو وإن جاز أن يستلزم عدم نفوذ الحكم باطنا في العقود والفسوخ لكنه لم يسق لذلك فلا يكون فيه حجة لمن منع، وبأن الاحتجاج به يستلزم أنه صلى الله عليه وآله وسلم يقر على الخطأ لأنه لا يكون ما قضى به قطعة من النار إلا إذا استمر الخطأ، وإلا فمتى فرض أنه يطلع عليه فإنه يجب أن يبطل ذلك الحكم ويرد الحق لمستحقه. وظاهر الحديث يخالف ذلك، فإما أن يسقط الاحتجاج به ويؤول على ما تقدم ، وإما أن يستلزم استمرار التقرير على الخطأ وهو باطل، والجواب عن الأول أنه خلاف الظاهر بل من التحريف الذي لا يفعله منصف وكذا الثاني. والجواب عن الثالث أن الخطأ الذي لا يقر عليه هو الحكم الذي صدر عن اجتهاده فيما لم يوح إليه فليس النزاع