ذبح بالسكين لكان أشق عليه ولا يخفى فساده انتهى. وحكى ابن رسلان في شرح السنن عن أبي العباس أحمد بن القاص أنه قال: ليس في هذا الحديث عندي كراهية القضاء وذمه، إذ الذبح بغير سكين مجاهدة النفس وترك الهوى والله تعالى يقوله: * (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) * (العنكبوت: 69). ويدل على ذلك حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
يا أبا هريرة عليك بطريق قوم إذا فزع الناس أمنوا، قلت: من هم يا رسول الله؟ قال:
هم قوم تركوا الدنيا فلم يكفي قلوبهم ما يشغلهم عن الله قد أجهدوا أبدانهم وذبحوا أنفسهم في طلب رضا الله، فناهيك به فضيلة وزلفى لمن قضى بالحق في عباده، إذ جعله ذبيح الحق امتحانا لتعظم له المثوبة امتنانا. وقد ذكر الله قصة إبراهيم خليله عليه السلام. وقوله: * (يا بني أني أرى في المنام أني أذبحك) * فإذا جعل الله إبراهيم في تسليمه لذبح ولده مصدقا فقد جعل ابنه لاستسلامه للذبح ذبيحا ولذا قال (ص): أنا ابن الذبيحين يعني إسماعيل وعبد الله، فكذلك القاضي عندنا لما استسلم لحكم الله واصطبر على مخالفة الأباعد والأقارب في خصوماتهم، لم تأخذه في الله لومة لائم، حتى قاده إلى مر الحق، جعله ذبيحا للحق، وبلغ به حال الشهداء الذين لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله، وقد ولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا ومعاذا ومعقل بن يسار فنعم الذابح ونعم المذبوح. وفي كتاب الله الدليل على الترغيب فيه بقوله: * (يحكم بها النبيون الذين أسلموا) * (الصافات: 102) إلى آخر الآيات انتهى.
وحديث أبي هريرة الذي ذكره لا أدري من أخرجه فيبحث عنه، وعلى كل حال فحديث الباب وارد في ترهيب القضاة لا في ترغيبهم، وهذا هو الذي فهمه السلف والخلف، ومن جعله من الترغيب فقد أبعد، وقد استروح كثير من القضاة إلى ما ذكره أبو العباس وأنا وإن كنت حال تحرير هذه الأحرف منهم ولكن الله يحب الانصاف.
وقد ورد في الترغيب في القضاة ما يغني عن مثل ذلك التكلف، فأخر الشيخان من حديث عمرو بن العاص وأبي هريرة: إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران. ورواه الحاكم والدارقطني من حديث عقبة بن عامر وأبي هريرة وعبد الله بن عمر بلفظ: إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، وإن أصاب فله عشرة أجور وفي إسناده فرج بن فضالة وهو ضعيف، وتابعه ابن لهيعة بغير لفظه. ورواه أحمد من طريق عمرو بن العاص بلفظ: إن أصبت القضاء فلك عشرة أجور، وإن