وأجاب بعض الحنفية بأن الزيادة على القرآن نسخ، وأخبار الآحاد لا تنسخ المتواتر، ولا تقبل الزيادة من الأحاديث إلا إذا كان الخبر بها مشهورا. وأجيب بأن النسخ رفع الحكم ولا رفع هنا. وأيضا فالناسخ والمنسوخ لا بد أن يتواردا على محل واحد، وهذا غير متحقق في الزيادة على النص. وغاية ما فيه أن تسمية الزيادة كالتخصيص نسخا اصطلاح، ولا يلزم منه نسخ الكتاب بالسنة، لكن تخصيص الكتاب بالسنة جائز، وكذلك الزيادة عليه كما في قوله تعالى: * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * (النساء: 24) وأجمعوا على تحريم نكاح العمة مع بنت أخيها، وسند الاجماع في ذلك السنة الثابتة، وكذلك قطع رجل السارق في المرة الثانية ونحو ذلك. وقد أخذ من رد الحكم بالشاهد واليمين لكونه زيادة على ما في القرآن ترك العمل بأحاديث كثيرة في أحكام كثيرة كلها زائدة على ما في القرآن كالوضوء بالنبيذ والوضوء من القهقهة، ومن القئ واستبراء المسبية، وترك قطع من سرق ما يسرع إليه الفساد، وشهادة المرأة الواحدة في الولادة، ولا قود إلا بالسيف، ولا جمعة إلا في مصر جامع، ولا تقطع الأيدي في الغزو، ولا يرث الكافر المسلم، ولا يؤكل الطافي من السمك، ويحرم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير، ولا يقتل الوالد بالولد، ولا يرث القاتل من القتيل، وغير ذلك من الأمثلة التي تتضمن الزيادة على عموم الكتاب. وأجابوا بأن الأحاديث الواردة في هذه المواضع المذكورة أحاديث شهيرة، فوجب العمل بها لشهرتها فيقال لهم، وأحاديث القضاء بالشاهد واليمين رواها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نيف وعشرون نفسا كما قدمنا، وفيها ما هو صحيح كما سلف، فأي شهرة تزيد على هذه الشهرة؟ قال الشافعي: القضاء بشاهد ويمين لا يخالف ظاهر القرآن لأنه لا يمنع أن يجوز أقل مما نص عليه، يعني والمخالف لذلك لا يقول بالمفهوم أصلا فضلا عن مفهوم العدد. قال ابن العربي: أظرف ما وجدت لهم في رد الحكم بالشاهد واليمين أمران: أحدهما أن المراد قضى بيمين المنكر مع شاهد الطالب، والمراد أن الشاهد الواحد لا يكفي في ثبوت الحق فتجب اليمين على المدعى عليه، فهذا المراد بقوله: قضى بالشاهد واليمين. وتعقبه ابن العربي بأنه جهل باللغة، لأن المعية تقتضي أن تكون من شيئين في جهة واحدة لا في المتضادين، ثانيهما حمله على صورة مخصوصة، وهي أن رجلا اشترى من آخر عبدا مثلا فادعى المشتري أن
(١٩٤)