الحافظ: وهذا أحسن المسالك وأسلمها وأبعدها من الاعتراض وقد أشار الأثرم إلى ذلك آخرا فقال: إن ثبتت الكراهة حملت على الارشاد والتأديب لا على التحريم، وبذلك جزم الطبري وأيده بأنه لو كان جائزا ثم حرمه أو كان حراما ثم جوزه لبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك بيانا واضحا، فلما تعارضت الاخبار في ذلك جمعنا بينها بهذا. وقيل: إن النهي عن ذلك إنما هو من جهة الطب مخافة وقوع ضرر به، فإن الشرب قاعدا أمكن وأبعد من الشرق، وحصول الوجع في الكبد أو الحلق وكل ذلك قد لا يأمن منه من شرب قائما. قوله: شرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائما من زمزم في رواية لابن ماجة من وجه آخر عن عاصم فذكرت ذلك لعكرمة فحلف أنه ما كان حينئذ إلا راكبا. وعند أبي داود من وجه آخر عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طاف على بعيره ثم أناخ بعد طوافه فصلى ركعتين فلعله حينئذ شرب من زمزم قبل أن يعود إلى بعيره ويخرج إلى الصفا، بل هذا هو الذي يتعين المصير إليه، لأن عمدة عكرمة في إنكاره كونه شرب قائما إنما هو ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طاف على بعيره وخرج إلى الصفا على بعيره وسعى كذلك، لكن لا بد من تخلل ركعتي الطواف بين ذلك، وقد ثبت أنه صلاهما على الأرض، فما المانع من كونه شرب حينئذ من سقاية زمزم قائما كما حفظه الشعبي عن ابن عباس. قوله:
في رحبة الكوفة الرحبة بفتح الراء المهملة وفتح الموحدة المكان المتسع، والرحب بسكون المهملة المتسع أيضا. قال الجوهري: ومنه أرض رحبة أي متسعة، ورحبة المسجد بالتحريك وهي ساحته. قال ابن التين، فعلى هذا يقرأ الحديث بالسكون، ويحتمل أنها صارت رحبة الكوفة بمنزلة رحبة المسجد فيقرأ بالتحريك وهذا هو الصحيح. قوله: صنع كما صنعت أي من الشرب قائما، وصرح به الإسماعيلي في روايته فقال: شرب فضلة وضوئه قائما كما شربت.
وعن أبي سعيد: قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن اختناث الأسقية أن يشرب من أفواهها متفق عليه. وفي رواية: واختناثها أن يقلب رأسها ثم يشرب منه أخرجاه. وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يشرب من في السقاء رواه البخاري وأحمد. وزياد قال أيوب: فأنبئت أن رجلا شرب من في السقاء فخرجت حية. وعن ابن عباس قال: نهى رسول الله