فيما ذكر. وقد ذكر الله الثلاث المذكورة في الحديث في آيتين الأولى: * (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) * (الاسراء: 23) والثانية: * (فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور) * (الحج: 30). قوله: وكان متكئا فجلس هذا يشعر باهتمامه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك حتى جلس بعد أن كان متكئا، ويفيد ذلك تأكيد تحريمه وعظيم قبحه، وسبب الاهتمام بشهادة الزور كونها أسهل وقوع على الناس والتهاون بها أكثر، فإن الاشراك ينبو عنه قلب المسلم، والعقوق يصرف عنه الطبع. وأما الزور فالحوامل عليه كثيرة كالعداوة والحسد وغيرهما فاحتيج إلى الاهتمام به، وليس ذلك لعظمه بالنسبة إلى ما ذكر معه من الاشراك قطعا بل لكون مفسدته متعدية إلى الغير، بخلاف الاشراك فإن مفسدته مقصورة عليه غالبا، وقول الزور أعم من شهادة الزور، لأنه يشمل كل زور من شهادة أو غيبة أو بهت أو كذب، ولذا قال ابن دقيق العيد: يحتمل أن يكون من الخاص بعد العام، لكن ينبغي أن يحمل على التوكيد، فإنا لو حملنا القول على الاطلاق لزم أن تكون الكذبة الواحدة كبيرة وليس كذلك، قال: ولا شك في عظم الكذب ومراتبه متفاوتة بحسب تفاوت مفاسده، ومنه قوله تعالى: * (ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا) * (النساء: 112). قوله: حتى قلنا ليته سكت أي شفقة عليه وكراهية لما يزعجه، وفيه ما كانوا عليه من كثرة الأدب معه صلى الله عليه وآله وسلم والمحبة له والشفقة عليه. (وفي الحديث) انقسام الذنوب إلى كبير وأكبر، وليس هذا موضع بسط الكلام على الكبائر، وستأتي إشارة إلى طرف من ذلك في باب التشديد في اليمين الكاذبة، ويؤخذ من الحديث ثبوت الصغائر لأن الكبائر بالنسبة إليها أكبر منها، والاختلاف في ثبوت الصغائر مشهور، وأكثر ما تمسك به من قال: ليس في الذنوب صغيرة، كونه نظر إلى عظم المخالفة لأمر الله ونهيه، فالمخالفة بالنسبة إلى جلال الله كبيرة، لكن لمن أثبت الصغائر أن يقول: وهي بالنسبة إلى ما فوقها صغيرة كما دل عليه حديث الباب. وقد فهم الفرق بين الصغيرة والكبيرة من مدارك الشرع، ويدل على ثبوت الصغائر قوله تعالى: * (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) * (النساء: 31) فلا ريب أن السيئات المكفرة ههنا هي غير الكبائر المجتنبة، لأنه لا يكفر إلا ذنب قد فعله المذنب، لا ما كان مجتنبا من الذنوب فإنه لا معنى لتكفيره،
(٢١٢)