إلى النار، وهو تمثيل يفهم منه شدة التعذيب على ما يتعاطاه فهو من مجاز التشبيه كقوله تعالى: * إنما يأكلون في بطونهم نارا) * (النساء: 10) وقد قدمنا الكلام على بعض ألفاظ الحديث في كتاب الصلح، فوقع تكرار البعض هنا لتكرار الفائدة. (وفي الحديث) دليل على إثم من خاصم في باطل حتى استحق به في الظاهر شيئا هو في الباطن حرام عليه، وأن من احتال لأمر باطل بوجه من وجوه الحيل حتى يصير حقا في الظاهر ويحكم له به أنه لا يحل له تناوله في الباطن ولا يرتفع عنه الاثم بالحكم، وفيه أن المجتهد إذا أخطأ لا يلحقه إثم بل يؤجر كما في الحديث الصحيح، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر، وفيه أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يقضي بالاجتهاد فيما لم ينزل عليه فيه شئ، وخالف في ذلك قوم، وهذا الحديث من أصرح ما يحتج به عليهم، وفيه أنه ربما أداه اجتهاده إلى أمر فيحكم به ويكون في الباطن بخلاف ذلك. قال الحافظ: لكن مثل ذلك لو وقع لم يقر عليه صلى الله عليه وآله وسلم لثبوت عصمته، واحتج من منع مطلقا بأنه لو جاز وقوع الخطأ في حكمه للزم أمر المكلفين بالخطأ لثبوت الامر باتباعه في جميع أحكامه حتى قال تعالى: * (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) * (النساء: 65) الآية، وبأن الاجماع معصوم من الخطأ فالرسول أولى بذلك. وأجيب عن الأول بأن الامر إذا استلزم الخطأ لا محذور فيه لأنه موجود في حق المقلدين فإنهم مأمورون باتباع المفتي والحاكم ولو جاز عليه الخطأ. وأجيب عن الثاني برد الملازمة، فإن الاجماع إذا فرض وجوده دل على أن مستندهم ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فرجع الاتباع إلى الرسول لا إلى نفس الاجماع. قال الحافظ: وفي الحديث أيضا أن من ادعى مالا ولم يكن له بينة فحلف المدعى عليه وحكم الحاكم ببراءة الحالف أنه لا يبرأ في الباطن ولا يرتفع عنه الاثم بالحكم، والحديث حجة لمن أثبت أنه قد يحكم صلى الله عليه وآله وسلم بالشئ في الظاهر ويكون الامر في الباطن بخلافه، ولا مانع من ذلك إذ لا يلزم منه محال عقلا ولا نقلا. وأجاب من منع بأن الحديث يتعلق بالحكومات الواقعة في فصل الخصومات المبنية على الاقرار أو البينة، ولا مانع من وقوع ذلك فيها ومع ذلك لا يقر على الخطأ، وإنما الذي يمتنع وقوع الخطأ فيه أن يخبر عن أمر بأن الحكم الشرعي فيه كذا ويكون ذلك ناشئا عن اجتهاده، فإنه لا يكون إلا حقا لقوله تعالى: * (وما ينطق عن الهوى) * (النجم: 3) وأجيب بأن ذلك يستلم الحكم الشرعي
(١٨٦)