لأنهم خصوا الجواز بالراشي، وهذا عممه في الراشي والمرتشي، وهو تخصيص بدون مخصص، ومعارضة لعموم الحديث بمحض الرأي الذي ليس عليه أثارة من علم، ولا يغتر بمثل هذا إلا من لا يعرف كيفية الاستدلال، والقائل رحمه الله كان قاضيا. قوله: والخلة في النهاية الخلة بالفتح الحاجة والفقر، فيكون العطف على ما قبله من عطف العام على الخاص. (وفي الحديث) دليل على أنه لا يحل احتجاب أولي الامر عن أهل الحاجات، قال الشافعي وجماعة:
أنه ينبغي للحاكم أن لا يتخذ حاجبا، قال في الفتح: وذهب آخرون إلى جوازه، وحمل الأول على زمن سكون الناس واجتماعهم على الخير وطواعيتهم للحاكم. وقال آخرون: بل يستحب الاحتجاب حينئذ لترتيب الخصوم ومنع المستطيل ودفع الشر. ونقل ابن التين عن الداودي قال: الذي أحدثه القضاة من شدة الاحتجاب وإدخال بطائق من الخصوم لم يكن من فعل السلف اه. قلت: صدق لم يكن من فعل السلف، ولكن من لنا بمثل رجال السلف في آخر الزمان، فإن الناس اشتغلوا بالخصومة لبعضهم بعضا، فلو لم يحتجب الحاكم لدخل عليه الخصوم وقت طعامه وشرابه وخلوه بأهله وصلاته الواجبة وجميع أوقات ليله ونهاره، وهذا مما لم يتعبد الله به أحدا من خلقه، ولا جعله في وسع عبد من عباده، وقد كان المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يحتجب في بعض أوقاته، وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي موسى أنه كان بوابا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لما جلس على قف البئر في القصة المشهورة، وإذا جعل لنفسه بوابا في ذلك المكان وهو منفرد عن أهله خارج عن بيته فبالأولى اتخاذه في مثل البيت وبين الأهل، وقد ثبت أيضا في الصحيح في قصة حلفه صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يدخل على نسائه شهرا أن عمر استأذن له الأسود لما قال له: يا رباح استأذن لي، فذلك دليل على أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يتخذ لنفسه بوابا، ولولا ذلك لاستأذن عمر لنفسه. ولم يحتج إلى قوله استأذن لي، وقد ورد ما يخالف هذا في الظاهر، وهو ما ثبت في الصحيح في قصة المرأة التي وجدها تبكي عند قبر فجاءت إلى بابه فلم تجد عليه بوابا، والجمع ممكن، أما أولا فلان النساء لا يحجبن عن الدخول في الغالب لأن الامر الأهم من اتخاذ الحاجب هو منع دخول من يخشى الانسان من اطلاعه على ما لا يحل الاطلاع عليه. وأما ثانيا فلان النفي للحاجب في بعض الأوقات لا يستلزم النفي مطلقا، وغاية ذلك أنه لم يكن له صلى الله عليه وآله وسلم حاجب راتب. قال ابن بطال: الجمع بينهما أنه صلى الله عليه وآله