ثم هبك أن الامر كما قالوا، وان قوله تعالى: (واحفظوا أيمانكم) إنما هو بعد أن يحلف فأي دليل في هذا على أن لا كفارة على من تعمد الحلف كاذبا وهل هذا منهم الا المباهتة والتمويه. وتحريف كلام الله عن مواضعه وما يشك كل ذي مسكة تمييز في أن من تعمد الحلف كاذبا فما حفظ يمينه، فظهر فساد كل ما يمخرقون به * وأما قولهم: إن الكفارة إنما تجب عليه فيما حلف عليه في المستأنف فباطل ودعوى بلا برهان لامن قرآن ولا سنة ولا إجماع، فان ذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انه لا يحلف على يمين فيرى غيرها خيرا منها إلا أتى الذي هو خير وكفر عن يمينه) فلا حجة لهم فيه لان الكفارة عندهم وعندنا تجب في غير هذه الصفة، وهي من حلف على يمين ورأي غيرها شرا منها ففعل الذي هو شر، فان الكفارة عندهم وعندنا واجبة عليه في ذلك * قال أبو محمد: وأما قولهم: هي أعظم من أن تكفر فمن أين لهم هذا؟ وأين وجدوه؟
وهل هو إلا حكم منهم (1) لا من عند الله تعالى؟ ويعارضون بان يقال لهم: دعوى أحسن من دعواهم بل كلما عظم الذنب كان صاحبه أحوج إلى الكفارة وكانت أوجب عليه منها فيما ليس ذنبا أصلا أو فيما هو صغير من الذنوب، وهذا المتعمد للفطر في رمضان نحن وهم متفقون على أن الكفارة عليه ولعله أعظم إثما من حالف على يمين غموس أو مثله وهم يرون الكفارة على من تعمدا فساد حجة بالهدى بآرائهم، ولعله أعظم اثما من حالف يمين غموس أو مثله، وأعجب من هذا كله قولهم فيمن حلف أن لا يقتل مؤمنا متعمدا، وأن يصلى اليوم الصلوات المفروضة، وأن لا يزني بحريمة (2)، وأن لا يعمل بالربا، ثم لم يصل من يومه ذلك، وقتل النفس التي حرم الله، وزنى. وأربى. فان عليه الكفارة في أيمانه تلك، فيالله ويا للمسلمين أيما أعظم اثما ممن حلف عامدا للكذب أنه ما رأى زيدا اليوم وهو قد رآه فأسقطوا فيه الكفارة لعظمه، أو من حنث بان لا يصلى الخمس صلوات.
وبان قتل النفس. وبان زنى بابنته أو بأمه. وبان عمل بالربا ثم لا يرون عظم حنثه في إتيانه هذه الكبائر العظيمة التي هي والله قطعا عند كل من له علم بالدين أعظم اثما من الف يمين تعمد فيها الكذب لا تجب فيه كفارة لأنه أعظم من أن يكفر؟ فهل تجرى أقوال هؤلاء القوم على اتباع نص أو على التزام قياس؟ * وأما تمويههم بأنه روى ذلك عن ابن مسعود ولا يعرف له مخالف من الصحابة رضي الله عنهم فهي رواية منقطعة لا تصح لان أبا العالية لم يلق ابن مسعود ولا أمثاله من الصحابة