ثم قال بعد هذه المسألة: مسألة، الباين إذا كان لها ولد يرضع، ووجد الزوج من يرضعه تطوعا، وقالت الأم: أريد أجرة المثل، كان له نقل الولد عنها، وبه قال أبو حنيفة وقوم من أصحاب الشافعي، ومن أصحابه من قال: المسألة على قولين أحدهما مثل ما قلناه، والثاني ليس له نقله عنها، ويلزمه أجرة المثل، وهو اختيار أبي حامد، دليلنا قوله تعالى: " وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى " (1) وهذه إذا طلبت الأجرة وغيرها يتطوع، فقد تعاسرا، واستدل أبو حامد بقوله تعالى: " فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن " (2) فأوجب لها الأجرة إذا أرضعته، ولم يفصل، وهذا ليس بصحيح، لأن الآية تفيد لزوم الأجرة إن أرضعته، وذلك لا خلاف فيه، وإنما الكلام في أنه يجب دفع المولود إليها ليرضع أم لا؟ وليس كذلك في الآية (3) هذا آخر كلامه رضي الله عنه.
ففصل القول في مسائل خلافه، وذكر الباين وغير الباين.
قال محمد بن إدريس: ما تمسك به أبو حامد قوي وبه أفتي، وعليه أعمل لقوله تعالى: " فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن " فأوجب لها الأجرة إذا أرضعته، ولم يفصل بين من هي في حباله أو بائن عنه، وهو الظاهر من أقوال أصحابنا، أعني استحقاقها الأجرة، وصحة العقد عليها للرضاع، سواء كانت بائنا عنه، أو في حبال زوجها، إلا أنه لا يجبرها على الرضاع، وهذا اختيار السيد المرتضى، وما ذكرناه أولا مذهب شيخنا أبي جعفر في مبسوطه (4)، والذي اخترناه مذهبه في نهايته (5)، وهو المنصوص عن الأئمة الأطهار (6).