وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ومن علم شيئا من الأشياء، ولم يكن قد أشهد عليه، ثم دعي إلى أن يشهد، كان بالخيار في إقامتها، وفي الامتناع منها، اللهم إلا أن يعلم أنه إن لم يقمها بطل حق مؤمن، فحينئذ يجب عليه إقامة الشهادة (1)، ولا يجوز للشاهد، أن يشهد قبل أن يسأل عن الشهادة، كما لا يجوز له كتمانها، وقد دعي إلى إقامتها، إلا أن يكون إقامتها تؤدي إلى ضرر على المشهود عليه لا يستحقه، على ما قدمناه، فإنه لا يجوز له حينئذ إقامة الشهادة، وإن دعي إليها، أو يكون فيما قلنا أنه لا يجوز للشاهد أن يشهد قبل أن يسأل عن الشهادة، ترك شهادته يبطل حقا قد علمه فيما بينه وبين الله تعالى، فيجوز له، بل يجب عليه أن يشهد به، قبل أن يسأل عن الشهادة.
وشيخنا في النهاية قد أورد المسألتين، واستثنى استثناءين عقيبهما، فيهما التباس وإيهام، لأن استثناء المسألة الأولة عقيب المسألة الثانية، واستثناء المسألة الثانية عقيب (2) المسألة الأولة، فلا يفهم بأول خاطر، بل يحتاج إلى تأمل، ورد الاستثناء الأول إلى المسألة الأولة، ورد الاستثناء الأخير إلى المسألة الثانية، وقد زال الالتباس والإبهام، فكم من معنى ضاع، لقصور العبارة، ولسوء الإشارة، فإني شاهدت جماعة من أصحابنا يلتبس هذا عليهم كثيرا، وهذا سهل على المتأمل المحصل لمعاني الخطاب، وكلام العرب فإنهم يلقون الجملتين المختلفتين، ثم يرمون بتفسيرهما جملة، ثقة بأن يرد السامع إلى كل جملة خبرها، كقوله تعالى: " ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه و لتبتغوا من فضله " (3) والسكون بالليل، وهو عقيب النهار.