عندنا للحاكم أن يقضي بعلمه في جميع الأشياء، لأنه لو لم يقض بعمله، أفضى إلى إيقاف الأحكام، أو فسق الحكام، لأنه إذا طلق الرجل زوجته بحضرته ثلاثا، ثم جحد الطلاق، كان القول قوله مع يمينه، فإن حكم بغير علمه، وهو استحلاف الزوج، وتسليمها إليه، فسق، وإن لم يحكم، وقف الحكم، وهكذا إذا أعتق الرجل عبده بحضرته، ثم جحد، وإذا غصب من رجل ماله ثم جحد، يقضي إلى ما قلناه.
الحقوق ضربان، حق للآدميين، وحق لله، فإن ادعى حقا لآدمي، كالقصاص، وحد القذف، والمال، فاعترف به، أو قامت به البينة، لم يجز للحاكم أن يعرض له بالرجوع عنه، والجحود، لأنه لا ينفعه ذلك، لأنه إذا ثبت باعترافه، لم يسقط برجوعه، وإن كان قد ثبت بالبينة، لم يسقط عنه بجحوده، وإن كان حقا لله كحد الزنا والشرب، فإن كان ثبوته عند الحاكم بالبينة، لم يعرض له بالرجوع، لأن الرجوع لا ينفعه، وإن كان ثبوته باعترافه، جاز للحاكم أن يعرض له بالرجوع، لكنه لا يصرح بذلك، لأن فيه تلقين الكذب، وإنما قلنا بجوازه، لأن ما عزا، لما اعترف قال له النبي عليه السلام: لعلك قبلتها، لعلك لمستها.
إذا شهد شاهدان عند الحاكم بحق، وكانا عدلين، حين الشهادة ثم فسقا قبل الحكم بشهادتهما، أو بعد الحكم بشهادتهما، فإن فسقا قبل الحكم بشهادتهما، قال قوم من المخالفين: لا يحكم بشهادتهما، وقال آخرون: يحكم، وهذا الذي يقتضيه مذهبنا، لأن المعتبر في العدالة حين الأداء، ولا يراعى ما قبل ذلك، ولا ما بعده.
فإن فسقا بعد الحكم، وقبل الاستيفاء، فإن كان حقا لآدمي لا ينقض وأمضى، وإن كان حقا لله، فإنه لا يمضي، لقوله عليه السلام: ادرءوا الحدود بالشبهات (1) وحدوث الفسق شبهة، ويفارق المال، لأن المال لا يسقط بالشبهة.
فأما إن قامت البينة، بأنهما كانا فاسقين قبل الشهادة، والإقامة لها،