والخلاصة أن عهد النبي عهد جزم ويقين، لا فرض وتخمين. وإن كتاب الله، وبيان رسوله غطيا ساحة كل شئ، والرسول نفسه لا ينطق عن الهوى، وقد عصمه الله. بينما الاجتهاد قائم على الفرض والتخمين، والمجتهد يخطئ ويصيب، وهذا غير وارد في حقه (صلى الله عليه وآله وسلم).
أسباب ظهور الاجتهاد والنبي على فراش الموت أراد أن يلخص الموقف لأصحابه، وأن يؤمنهم ضد الضلالة تأمينا شاملا فاجتهد بعض الصحابة، وقالوا: إن القرآن وحده يكفيهم، وأنهم ليسوا بحاجة لهذا التأمين. وهكذا فصل الكتاب عن البيان، ولو كان هذا الفصل منتجا لما كان هنالك داع لابتعاث الرسل، ولسد مسدهم نسخ من الكتب السماوية ترسل بطريقة ما إلى المكلفين، هذا الفصل استدعى وجود مؤسسة للبيان فكان الاجتهاد، والحاكم هو الذي ينظر، فيختار منها ما يريد، والحاكم على الغالب كان هو الغالب بغض النظر عن دينه، أو علمه، أو سابقته!
وحادثة الحيلولة بين النبي وبين كتابة ما أراد من الوضوح، والثبات، والتواتر بحيث لا يقوى أستاذي الفاضل على إنكارها، فضلا عن الاعتذار عنها، وقد رواها أصحاب الصحاح.
تعميق مؤسسة الاجتهاد وتعمقت مؤسسة الاجتهاد يوم أن أعلن رسميا منع الحديث عن الرسول، وأن القرآن وحده يكفي. فقد ذكر الذهبي في تذكرة الحفاظ بترجمة أبي بكر (رضي الله عنه) مجلد 1 صفحة 2 - 3 أن أبا بكر جمع الناس بعد وفاة نبيهم، فقال: إنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلوا حلاله، وحرموا حرامه!