28 - جواب أبي بكر يا ابنة رسول الله، لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفا كريما، رؤوفا رحيما وعلى الكافرين عذابا أليما وعقابا عظيما، فإن عزوناه وجدناه أباك دون النساء، وأخا لبعلك دون الأخلاء، آثره على كل حميم، وساعده في كل أمر جسيم، لا يحبكم إلا كل سعيد، ولا يبغضكم إلا كل شقي، فأنتم عترة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الطيبين، والخيرة المنتجبون، على الخير أدلتنا، وإلى الجنة مسالكنا، وأنت يا خيرة النساء، وابنة خير الأنبياء، صادقة في قولك، سابقة في وفور عقلك، غير مردودة عن حقك، ولا مصدودة عن صدقك، والله ما عدوت رأي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا دارا ولا عقارا، وإنما نورث الكتاب والحكمة، والعلم والنبوة، وما كان لنا من طعمة فلولي الأمر، بعدنا أن يحكم فيه بحكمه، وقد جعلنا ما حاولته في الكراع والسلاح، يقاتل به المسلمون، ويجاهدون الكفار، ويجالدون المردة ثم الفجار، وذلك بإجماع من المسلمين لم أنفرد به وحدي، ولم أستبد بما كان الرأي فيه عندي، وهذه حالي ومالي هي لك وبين يديك، لا نزوي عنك، ولا نذخر دونك، وأنت سيدة أمة أبيك، والشجرة الطيبة لبنيك، لا يدفع ما لك من فضل، ولا يوضع من فرعك وأصلك، حكمك نافذ في ما ملكت يدي، فهل ترين أن أخالف في ذلك أباك.
فقالت (عليها السلام): سبحان الله ما كان رسول الله عن كتاب صادفا، ولا لأحكامه مخالفا، بل كان يتبع أثره، ويقفو سوره، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالا عليه بالزور، وهذا بعد وفاته، شبيه بما بقي له من الغوائل في حياته، هذا كتاب الله حكما عدلا، وناطقا فصلا يقول (يرثني ويرث من آل يعقوب)، (وورث سليمان داود) فبين عز وجل ما وزع عليه من الأقساط، وشرع من الفرائض والميراث، وأباح من حظ الذكران والإناث، ما أزاح علة المبطلين، وأزال التظني والشبهات في الغابرين، ولا (بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل، والله المستعان على ما تصفون).